-1-
السيد حسين الصدر
الخليل بن أحمد الفراهيدي عَلَمٌ من أعلام اللغة والأدب المشاهير .
وهو الذي وضع (عِلْمَ العَروض) المختص بأوزان الشعر وبحوره .
والسؤال الآن :
انّ تاريخ الشعر أقدم بكثير من مولد الخليل ، فكيف كان الحال قبل اكتشافه لبحور الشعر؟
والجواب :
انّ القدرة على الحفاظ على الأوزان دون اخلال بها ، موهبةٌ لا ينالها الاّ الشعراء، وهممستغنون عن الالمام بِعِلْمِ العروض بِمَا رزقهم الله من تلك الموهبة .
حتى قال قائلهم :
مستفعلن فاعلن فَعُولُ
هذا لَعِمْري هُوَ الفضولُ
قد كان شِعْرُ الورى صحيحاً
مِنْ قَبْلِ أنْ يُخْلَقَ الخليلُ
-2-
وعلم العروض ليس من العلوم السهلة لا سيما على من كان بعيداً عن دنيا الشِعْر .
وذاتَ مرّة :
رغب أَحَدُهُم في دراسة علم العروض على يد الخليل بن احمد الفراهيدي، رائد هذا العِلْموالخبير بدقائِقِه ،ولم يستطع الرجل انْ ينجح في دراسته للعروض ،
كما أنَّ استاذه الخليل قد شخّص ذلك .
فما كانَ منه الاّ ارسال الاشارة البليغة الى تلميذه الذي استعصى عليه فَهْمُ العَروضفخاطبه قائلا :
مِنْ أيّ البحور قول الشاعر :
اذا لم تستطع أمراً فَدَعْهُ
وجاوِزْهُ الى ما تَستَطيعُ ؟
وهنا استوعب التلميذ الاشارة البليغة فَتَركَ المضيَّ في ما عَجَزَ عَنْ فهمه.
وهذا هو مقتضى الواقعية ، والاّ فان الاستمرار في ما لا طائل وراءه ليس الاّ لوناً مِنْتضييع الوقت والعمر .
ولئن حاول الرجل التعلم وفشل ، فانه يبقى أفضل من كل الذين لا يحاولون تعلّم العلوم ،ويؤثرون الكسل على الجِدّ في تلقي العلوم والفنون وضروب المعرفة .
-3 –
والمهم في هذه الحكاية :
الأدب الرفيع الذي تحلّى به الخليل الفراهيدي الذي لم يخدش مشاعر تلميذه ، ولم يخترصِيغةً قاسية في إبلاغه بانه ليس ممن يقدر على اتقان هذا الفن، فخاطبه بما سمعت ،
وتمّ له ما أراد .
وهكذا تضعنا الحكاية أمام درس اجتماعي مهم يدعونا الى احترام المشاعر، والابتعاد عنالإثارات المزعجة، وذلك أسلم الحلول في الحفاظ على الآداب والأصول .
-4-
لقد شاع – للاسف – أسلوب الاستهانه بمشاعر الآخرين دونما حسابٍ للمردودات السلبيةعليهم من أساليب الخطاب البعيد عن اللياقة الانسانية والأخلاقية .
وكان من الجميل أنْ تقتطف لهم من رياض الآداب وروائع الخطاب وردةً شذيّة ، لعلهميجدون فيها ما يجذبهم الى الجمال والأشذاء بدلاً من الغلظة والايذاء .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com