قراءة استقصائية في رواية *غالية* للكاتبة نزيهة شلخي موسى

قراءة استقصائية في رواية *غالية* للكاتبة نزيهة شلخي موسى

 

سليم ميلودي/ الجزائر

رواية غالية للكاتبة نزيهة شلخي موسى ، تدخل الموسم الخريفي من باب واسعة باب نوفمبر الذي يوحي قدومه قامات الشموخ والثبات في هذه الأمة ، لتدخل هذه الرواية بساط الأدب العربي الجزائري بمناقشة جديدة لمواضيع ساعاتية آنية يعيشها الفرد الجزائري بالتحديد دوم سواه.
كما ننوه أن العمل الروائي هذا هو الحلقة المضافة لإبداعات الأستاذة نزيهة ، كونها أعطت قبل هذا ثلاث دواوين شعرية عالجت فيها مختلف القضايا بطريقتها الفذة السريالية ، لتثمر هذه الرواية في بستانها الأدبي الشيق الذي لا شك لا يختلف فيه رأيان من حيث عمق العطاء والتمرس اللغوي الأخاذ.
للعنوان مفتاح العمل ومن خلاله يبسط القارئ يدّ مفهومه الأول وولوجه إلى الرواية ، كما أن العنوان هو المسمى المتعارف عليه عن الشيء والمكان ، اسم يُرادُ به التعريف بالأمر أو التعريف بموقع المُستفسّرُ عنه ، هنا عنوان غالية للرواية أعطى الصورة المختزلة أن العمل يحمل في طياته حياة شخصية تحت اسم غالية كيف ما كانت هذه الحياة وحيث ما عاشت وكل ما يتصل بها من قريب أومن بعيد ، فالعنوان أتى بثمرة دلالته وتعريفه التقريبي إلى ذهن القارئ والمتلقي للعمل. أما الغلاف حمل في طياته وفنه شكل امرأة تتدفق من ملامحها الصبر والأسى ، تحاكي حالة من السقوط أو الأسف تحت رداء أبيضٍ يدلي بنصاعة الهُوية وثبات القدر كما يوحي البياض إلى رغم نقاء القلوب تحاك عليها الأزمنة شوائب الأخطار والنكسات ، بهذا كان العنوان والغلاف مجتمعان في المعنى والصورة وهذا توفيق من الكاتبة في إسقاط الخيال المدرج بين السطور.
رواية غالية جمعت في طيات معانيها وحكايتها شخصية غالية التي كانت ضحية قضية كما سلفنا الذكر أن الجزائري بالتحديد وبعده الشعوب المغاربية من تتصيده هذه الآفة ، تسمى الحرقة ، ففي مجتمع كالمجتمع الجزائري يعاني شبابه من ضيق المعيشة ومطبات اجتماعية كثيرة ، تدفع بجٌله إلى الهجرة الغير شرعية عبر البحر، يتحمل الأخطار والموت في كبد البحر تحت الأعاصير ، مغامرا بحياته واحتمالات النجاة ضئيلة ، هذا بدفعه وازرٍ من طموح إلى البحث على معيشة أحسن وربما سعادة لم يطأ وجود لها في وطنه .
غالية ضحية لهكذا قرارات ، حيث تنحى عن إسنادها حبيبها الذي فضل الهجرة الغير شرعية على أن يواجه الحياة الصعبة وما حيك ضده كما نكتشف هذا في سياق  الرواية ، فغالية الشخصية البطلة تدخل نفق الحياة المظلم ، بعد أن هاجر علي الحبيب والسند ، الذي كانت تبني معه أحلامها الوردية ، في خضم كل هذه الأحداث ، تتحدى غالية شظايا المنعرجات الدنيوية والمصاعب الحياتية التي تسوقها إلى دخول تجربة عاطفية وارتباط جديد مع رجل مثقف ذو مكانة في مجتمع وصاحب سوابق عاطفية فاشلة ، ليترك لها بعد زيجته مختفيا ولدا تتحمل مسؤوليته ويشاركها الحرب ضد هذا الشبح وهو اللإستقرار.
في زحام هذه الحياة الشائكة الدروب تلتقي غالية بشخصية أخرى –سارة- صاحبة الطموح الأكبر ، المتمردة على رأي الرجل في المرأة التي تركت مسقط رأسها بحثا عن حياة كريمة تثبت فيها وجودها كانسان أولا ثم كامرأة ، سارة التي ترى أن المرأة في حد ذاتها تجابه وتحط من قدر نفسها وفي حق الأخريات كما سيتطرق القارئ إلى هذه الشخصية وفكرها المميز ، طريقة بسطها يد الفرض الوجودي في المجتمع . وضع سارة وعلي وغالية التي جمعت بين كلٍ كله يصب في مصب قضية الحرقة ولكن كل واحد بطريقته.
في نهاية العمل يعود صاحب الحق لحقه ويلتقي من جديد علي بغالية لكن في ظروف أخرى حيث تصاب غالية بمرض السرطان وتعاني منه الويلات أين يحتويها حبيبها الأول الذي ظل وفيا لها ولم تطرق قلبه أنثى سواها ، لتترك غالية رسالتها لمن تركتهم خلفها ليبقى فحوى هذه الرسالة في متناول دهشة القارئ.
المتتبع للكاتبة نزيهة شلخي موسى ولإصداراتها يدرك أنها ودون شك صاحبة أبجدية محكمة ، تتمتع بالبيان والمحسن ، كما تشتغل بطريقة مكثفة على التشبيه والتصوير ، اليوم في رواية غالية أبدعت بطريقة أجمل وأحكّم ، حيث أن القارئ للعمل أول ما يتذوقه هو حلاوة اللغة التي تأخذه بأسلوب الى عالم العصور العربية الغابرة ، اعتمدت على المفردة البسيطة مع تكثيف التوظيفة العميقة  إسقاطا  للصورة ، كما أنها قسمت الحوار بشكل درامي بحت ، تحس لوهلتك انك ترى شريط لفيلم غالية وليس أمام كتاب وهذا إن دل أنما يدل على قدرة الكاتبة في سحبك من موقعك إلى موقعها وإدراجك دون انتباه في التفاعل مع السرد .
الأسلوب الجيد للكاتبة جعل من عملها هذا قفزة نوعية في مجال التوظيف ومن حسن الجمال أن التوظيف ذاته كان بمثابة رواية غالية.إن أي عمل روائي أو قصصي أو حتى مقالا أو قصيدة  تحمل في رحم معناها رسالة إلى المتلقي أكان شخصا أم مجموعة أم وطن وأمة ، بين أيدينا هنا رسالة الكاتبة إلى المجتمع الذي تزداد قسوته تحت جنح سلطات أخرى  ، مجتمع أصبح يكيل الإنسان بما دون الإنسانية ، أصبح ابن الوطن يفر من حجر وطنه ليقع في غياهب اليم  وتتناحر عليه الحيتان ، فلربما من استسغ عمق الرسالة لرأى بالتأكيد أن الأمر خرج عن نصاب التفكير فيها ، غياب السند من أعلى هرم إلى أخر رب أسرة ، المرأة ومعاناتها بصمت وجهادها في كسب قوة يومها دون الانحلال والتردي ، كلها محاور تستدعي النظر من جميع الإفراد.

سليم  ميلودي/الجزائر

(Visited 35 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *