جاسم مراد
الفساد ليس حالة استثنائية ، فرضتها ظروف الخلل الأني في الدولة ، وإنما اصبحمنظومة متكاملة افرزتها طبيعة هيكلية النظام ، والخلل القائم لدى القوى السياسية بينالرغبة في الجمود السياسي ، ورفض المتحول على وفق حاجة المجتمع وكيان الدولة ،هذا الوضع خلق مساحة واسعة للفاسدين والمتطفلين داخل بنية الكيانات السياسيةوخارجها لتشكيل منظومة فساد، أصبحت على مدار السنوات الماضية قوة لا يستهانبها من حيث التمدد أو الفعل التأثيري على مواقف وقرارات التصدي .
في السياسة ليس هناك جمود للزمان ، ولكن عندما ترغب قوى بعينها ، تفضيل عمليةالجمود في الفكر والممارسة بغية المحافظة على مواقع السلطة ، يعني ذلك بالضرورةإخفاء الفاسدين كونهم جزء من منظومة الحكم من جهة ، ومن الجهة الأخرى عدم تقبلالمتغيرات السياسية في زمانها ومكانها لكونها تكشف ضعف هذه الأطراف وتعريمنطوقها السياسي وممارساتها أمام الرأي العام وهذا ماتخشاه بالتحديد .
لم يكن جديداً ما اعلنه علاوي وزير المالية في برنامج ( كشف المخفي ) من إن ليس هناكطرفا واحداً من القوى والاحزاب والكيانات السياسية في حكم ما بعد ( 2003) حتى الانلم يكن منغمسا ً بالفساد إذ كان ذلك بشكل مباشر أو عبر وسطاء داخليين وخارجيين ،وعندما نشير بعدم غرابة ذلك ، لكون المجتمع العراقي برمته يدرك بأن النظام القائم ، هونظام فاسد ، وان شراكة المواقف بين مختلف قواه الحاكمة هي بالضرورة شراكة تعطيلللمتحرك والمتحول داخل قوى المجتمع ، وحتى لبعض الافراد في بنيان تلك الأطراف التيتحاول الحركة للأمام .
هذا الاعتراف من مسؤول كبير في السلطة المالية ، يشكل صدمة حقيقية للراغبين فيتغيير مسارات الحكم باتجاه الإصلاح ، أو لوقف تداعيات انهيارات العلاقة بين الحاكمينوجماعاتهم من جهة وبين التوسع والتراكم الشعبي الرافض لتلك السياسة والمطالببالتغيير من جهة ثانية .
المسألة ليست هكذا ، سيما عندما يوغل الحاكم أو مجموعة الحكام بغرس الخناجر فيأجساد الناس ويصبح تجويعهم وإذائهم مسالة فيها وجهة نظر ، ولما تصبح مناشداتانقاذ العراق وشعبه في الوسائل الإعلامية والشخصية والأكاديمية والشعبية ، قضيةمغرضة تستهدف ما يسمى بالنظام ( الديمقراطي ، وتشكيلات الحكم ، تصبح المعالجةمشكوك في نجاحها ، صحيح إن حكومة السيد مصطفى الكاظمي شخصت بعضمافيات الفساد واحالة بعظهم للقضاء واعتقل البعض الأخر ، وهم شخصيات مهمة فيمواقع السلطة ، لكن على وفق ماكشفه السيد علاوي وزير المالية ، تصبح هذه المعالجاتاشبه من يضع أكياس التراب في وجه سد هائج يتدفق باتجاه إنهيار السدود الأخرى .
الوقائع اثبتت إن المصيبة برمتها في مكونات السلطة القائمة ، المبنية على هيكليةالمصالح ، فليس بالمستطاع تغيير وجهتها باتجاه المصالح العامة وحقوق الشعب وبناءدولة مؤسساتية ، وثمة فارق بين سلطتنا والسلطات الأخرى في العالم وكذلك بعضالمحيط العراقي ، فمثلا الجزائر عندما ثار الشعب ضد الفاسدين في النظام جرى التغييروتم إحالة العديد من الفاسدين منهم اشقاء رئيس النظام السابق الى القضاء واعتقالهم ،والان الغى الرئيس الجزائري البرلمان وبعض قيادات الحكم واعلن انتخابات جديدةتشارك فيها الجماهير الثائرة بغية تصحيح الحكم وصعود قيادات شابة في إدارةالسلطة ، هذا الأمر حدث في الجزائر و حتماً في تونس ، أما في العراق فأن المثل الشعبيهو المنطبق علينا والذي يقول
( نايم ياشليف الصوف نايم .. نايم والحرامية تحوف ) إن المسألة ليست سهلة بتاتاً ،حتى الانتخابات الجديدة ليس بمقدورها اجراء التغيير صوب تغيير هيكلية النظام التيبنيت وتأسست على المحاصصة التي بدورها اشاعت النهب للمال العام وتحوله من افرادالى منظومات حكم . وبالرغم من الإحساس العام بأن الانتخابات التشرينية الجديدةسوف تفرض بعض المتغيرات إلا إن وقائع الاحداث والاختلاف بين اطراف الحكموالمشاركين فيها أكدت عمق التناقض حول سلامة أدائها وحجم التدخلات في منهجيةعملها وهذا ماسيقود البلاد الى المزيد من التناقضات ستؤثر حتماً على أداء السلطةراهناً وفي المدى القريب ، أما الموقف الشعبي ومن خلال الاستطلاعات الميدانية فأنالأغلبية ليست مشاركة ولا مقتنعة بأمكانية التغيير كون مشروع التحالفات الحصصيةهو السائد ، وان التفكير بمشروع لنظام وطني مدني ملغي من ذاكرة المتحاورين ، فأنالعراق سيبقى عليلاً ، وان حقوق الناس ستبقى في مؤخرة مصالح الأحزاب والكياناتالسياسية .
رغم كل ذلك يبقى الامل يداعب النفوس الخيرة ، مادام الإحساس والرغبة الشعبيةبضرورة التغيير ، ولما تتسع هذه الرغبة وتتحول من الحالة الشبابية الى الحالة الشعبيةالعامة يكون الامر ليس بمقدور الحصصين والطائفين وقف تدفقها لبناء العراق واعادتهالى حيث يكون .