جاسم مراد
لا نريد الدخول في المماحكات السياسية الجارية في الساحة العراقية ، ولكنه لابد من التأكيد بأن الإسلام السياسي بدأ يتراجع بالنسبة للموقف الشعبي ، ويتراجع ايضاً حتى بالنسبة لجمهوره المنتمي ، وهذا واقع كان لابد من الانتباه له ، فالجمهور العراقي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل بالشعارات الفضفاضة ، ولا بالوصايا المذهبية ، فهو جمهور كان صابراً طيلة ( 19) عاماً على نظام طائفي محاصصي أخذ كل شيء ولم يعطي شيئاً ، البنى التحتية مهدمة ، الاقتصاد والمصانع والمعامل تم إهمالها بقصد ، الكهرباء أصبحت أزمة الناس المستدامة رغم المليارات التي صرفت عليها ، البطالة ، الجوع ، بغداد المستباحة ، والمدن والمحافظات المنكوبة ، وكل شيء في هذا البلد يوحي بالانهيار ، اللهم إلا سلاطين الأحزاب والكتل السياسية ومن معهم هم المرتاحون ، فكيف يمكن أن تحصل هذه القوى والكتل على ما يرضيها ..؟
نعتقد على وفق المعطيات الجارية ، فإذا حصل البعض بعض الأصوات ، فأن المرحلة المقبلة سيحدث فيها انقلاب فعلي ، فالشعب العراقي لا يقبل بالوصايا ولا بالدعوات المذهبية ، إنه يريد حلول فعلية لأزماته ، ومعالجة حقيقية لمشاكله ، فالجائع لا تشبعه وصايا موسى ، ولا توقف عزمه القادم دعوات التهدئة ، في وطن يمتلك كل الموارد ، ومستباحة مقدراته من حفنات من الناس لا يحترمون حقوق الناس .
هذه الانتخابات ، بالرغم من طروحات نزاهتها ، إلا إنه بالمقابل هناك تشكيك بنتائجها ، يصل الى حد التصادم اللفظي والسياسي وقد يكون ابعد من ذلك ، لا سمح الله .
السؤال الان هل الشعب كان مقتنعا بمشروع الانتخابات وشارك بشكل فعلي ، كل المؤشرات تؤكد بأن المشاركة كانت ضئيلة ، وهذا نابع بعدم قناعة الجمهور العراقي بالتغيير ، وان التنافس فقط بين الكتل والكيانات للحصول على منافع اكبر واكثر مما مضى ، وهنا تبرز العديد من الأسئلة هل بمقدور التيار الصدري الذي حصد اكثر مقاعد البرلمان أن يؤلف سلطة لوحده ، بالطبع لايستطيع ذلك ، إذن هل يتفق مع قوى وكتل أخرى ، فهذا يحتاج الى مساومات على المناصب والحصص ، وبالتالي عدنا لقضية المحاصصة وتوزيع المناصب ، وهذا الأمرحتما سينعش الفاسدين والباحثين عن المواقع والأموال والصفقات مع الشركات ، وبالتالي يصبح المتضرر الوحيد الدولة وكياناتها ومؤسساتها وفكرة تحقيق المشروع الوطني .
فالأكراد اعلنوها صراحة من يتفق معنا عليه أن يستجيب لمطالبنا ، وهي معروفة كركوك ما أطلق عليه بالمناطق المتنازع عليها والنفط وغيرها من القضايا الكثيرة ، والأطراف الأخرى من الشيعة والسنة هي الأخرى تريد تنفيذ اجندتها ، وبالتالي مايطرح من فكرة النظام الوطني والحكومة القوية القادرة على تلبية حقوق الناس ماهو سوى لغط وحكايا سياسية ظاهرها شيئا وباطنها يعبر عن واقع ومرامي واهداف القوى السياسية الحاكمة للسلطة طيلة السنوات الطويلة الماضية بما فيها التيار الصدري الذي كان شريكا في الحكم ومعارضا خارجه .
الشعب يريد الخروج من المحاصصة ، ويريد دولة محترمة قوية حاكمة على الجميع ، ويريد سلطة ليست منحنية الظهر والرأس للأطراف السياسية والتدخلات الخارجية ، بل سلطة معبرة عن الأهداف والمشاعر العراقية ، سلطة قوية تنفذ قوانين الدولة وليس رغبات الأحزاب والكتل السياسية التي تفرض انانيتها ومصالحها على حساب الجمهور والدولة ، فهل مثل هذا تحققه نتائج الانتخابات التشرينية الحالية لانعتقد ذلك ابداً ، وان حالة النزاعات والاتفاقات والاحتلافات على تشكيل الحكومة ستستمر لفترة قد تطول ، هذا الوضع والقانون الانتخابي البرلمان لايفيد العراق مثلما لم يفيد تونس ، وان فكرة انتخاب رئيس الجمهورية مع اثنين من النواب وله صلاحية تشكيل الحكومة هو الاجدى للوضع العراقي ، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك ، وقوى سياسية بكل أطرافها وتنوعاتها المذهبية والعرقية امتهنت ذلك وغادرت الحلول الوطنية لبلد هو احوج ما يكون اليها ، وبداية التظاهرات تعبر بشكل اكيد عن عمق الاختلافات ويبقى النظام نقيض إرادة الشعب ..
.
.
ما بقي التناقض قائماً / جاسم مراد
(Visited 12 times, 1 visits today)