اعلام… من اين توكل الكتف

اعلام… من اين توكل الكتف

 

مع انهيار ماتبقى من الدولة المدنية في عام 2003 بعد ان كانت قد تصدعت في الأساس وتزلزلت على نحو عقود ثلاثة سبقت لحظة السقوط النهائي تلك ، ومع الساعات الأولى من دخول قوات التحالف الدولي بقيادة اميركا الى العراق هرب العديد من الاعلاميين من العراق حتى قبل ان يبتدئ العنف أو يأخذ مداه الشاسع الذي جعل فيما بعد كل شرائح المجتمع مهددة ومعرضة للعنف المفرط

وهذا الفعل يقودنا الى تساؤل ملخصه مالذي يجعل إعلامي صحفي أو مذيع أو مراسل يهرب الى خارج البلد وهو ليس بقائد عسكري ولا يمتلك منصب سياسي ولا حزبي اذن مالذي يدفعه الى تحميل الركب هروبا باتجاه دول الجوار ؟ هل هو استقراء لما سيحدث مستقبلا أم أنه يعلم علم اليقين أو على أقل تقدير يشعر بأنه كان جزءا من منظومة الفكر الدموي التي تحكم البلد ويعلم انه لم يكن مجرد بوق اعلامي تفرضه سياسة الدولة المركزية والنظام الشمولي الصارم من الذين اضطرتهم القبضة الحديدية الى الانخراط في تلك المنظومة الإعلامية التي تعمل بتوجيهات مركزية تصب باتجاه واحد

بعض من الكيانات والأسماء الإعلامية هربت لعلمها انها متورطة في جعل زملاءهم من الاعلاميين والفنانين ضحايا أقلام تقاريرهم السيئة الصيت التي انتهجوها من أجل الصعود بالمناصب أو تحقيق مكاسب رخيصة على حساب حياة ومستقبل زملاءهم بل على حساب المجتمع العراقي ككل ، فهل كانوا يفعلون ذلك مضطرين ؟ كلا ، انما هو سلوك يقبل القسمة على طرفين في جعل نشأتهم تتخذ هذا الطريق الأول (التربية الأسرية) والثاني (تربية النظام) الذي يشعرون انهم ابناءه

لمن كان آذاه ينحصر بالجانب المعنوي والنفسي ولم يتسبب بارتقاء اصدقاءه وزملاءه ومجتمعه منصة مشنقة الظلم يمكن تجاوز المجتمع عنه وقد اعيد دمجهم بالفعل داخل بنية المجتمع وان كان بحذر ، ولكن لمن كان مستمتعا ومؤمنا بدوره المؤذي وكان جزءا من ادوات تشغيل ماكنة الخوف والموت كيف له أن يعاد الى الحياة العملية ويمارس دوره الطبيعي كيف يمكن أن يتم خذلان المجتمع العراقي مرة أخرى وتسليمه الى إعلامي اعتاد أن يستخدم أساليبه المشينة في ترويعه وهو لم يتبرأ منها بل يبررها حتى مع انتهاء المنظومة القمعية التعسفية ويسوقها بأساليب ملتوية كما أنه يقدم نفسه بطرق مختلفة وانتماءات و ولاءات جديدة هذه المرة فهو لم يعر أهمية للمبدأ يوما وانما منهجه يقوم على أساس معرفة (من أين تؤكل الكتف) وامتطاء الطريق الأسرع والأسهل للوصول والأكثر نفعا فالتلون جزء من منهجه وثقافته البيئية والمهنية

وهذا النوع من الإعلاميين هو الأخطر ليس فقط على المهنة والمهنية وليس فقط على المكاسب السياسية والإدارية للبلد وإنما يعود بالضرر على المجتمع والانسان العراقي بشكل عام وهو يتسلق من جديد عبر طرق تحايل تساعده في الوصول الى غاياته لن يكون أولها تغليفها بالشعارات الوطنية وليس آخرها الأعمال الإنسانية البراقة وكلها تحمل بين سطورها منهجا مبطنا لا يبعده عن دائرة الشك والريبة

هؤلاء الذين أخذوا كل الفرص سابقا واستولوا عليها اليوم يعودون للقفز على فرص الأخرين للاستيلاء عليها في المؤسسات الإعلامية المهمة المرئية والمقروءة الرسمية والخاصة ولايزالون يتسللون على التوالي بانتظار قلب الطاولة ، والكارثة الكبرى حينما نرى بعضهم يتصدرون المشهد الاعلامي ويصنعون خطابه والأدهى حين يتبؤون المناصب ، فكيف تسلل هؤلاء الى داخل تلك المؤسسات واخذوا يتلاعبون بالشارع ويحركونه عبر خطاب اعلامي مخادع ؟ الجواب ليس محيرا ولا لغزا كبيرا ذلك لأن الطبقة السياسية الحالية لم تستطع أن تصنع صروحا إعلامية مؤثرة وفاعلة كما أنها أهملت دور وأهمية الإعلام ولم تعتمد على إعلاميين مهنيين من الثقاة فتركت الشارع عرضة لكل انواع الرداءة المسموعة والمرئية والمقروءة فعاد هؤلاء الذين يطلقون على انفسهم إعلاميين جزافا ليجدوا لهم مكانا في هذه البيئة ويتمكنوا من التوغل من جديد وهم الأبعد عن تلك المهنة الإنسانية النبيلة حتى وإن كانوا متمرسين فهم في حقيقة الأمر لايعدون أن يكونوا رجال أمن وسياسة يتلقون التعليمات والأموال للعبث بمقدرات المجتمع والشارع العراقي

ويعبثون بسمعة البلد في الخارج أيضا حيث بات بعضهم يمثل العراق في المحافل الدولية ولا نعرف ماهي الرسائل التي يمكن أن يقدمها هؤلاء في تلك المحافل خصوصا في اللقاءات الثنائية والاجتماعات المغلقة كم يمكن أن يأمن جانبهم وهم لم يدخروا جهدا في نشر كل أنواع الأذى للعراق والعراقيين طوال حياتهم داخل وخارج العراق

المؤسف أن الطبقة السياسية اليوم لم تستطع أن تواجه كل الهجمات والصروح الإعلامية الفاعلة عبر بناء مؤسسات كبرى تؤسس لخطاب إعلامي قوي مضاد ، فهل هناك صحوة وانتشال لما تبقى من مدخراتنا الإعلامية والثقافية والفنية أم سوف نظل نتوسل حتى يتم القضاء على كل ماتبقى واعادة الساحة الإعلامية لهؤلاء الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف حتى يكملوا مسيرة ارتقاء المهنيين والمخلصين والوطنيين منصة مشنقة الظلم ، فهل نتمكن من ابقاء مؤسساتنا الإعلامية نظيفة وفي منأى عن هؤلاء أم نعرضها للتلوث والخسارة الكبيرة التي تعود بالضرر على الأنسان العراقي قبل كل شئ

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *