محمد السيد محسن
—–
كلما يذكر اسم الشاعر مظفر النواب يقرن بمصطلح “المجدد” , والحقيقة ان مظفر لم يكنمجددا وانما كان مستخدما جيدا لبعض فنون البلاغة , مستلهما – حسب قوله – قصائدالحاج زاير , ولكنه كان يجد ان قاموسه الشعري لا يتحمل الاطناب في الوصف , ويستلهم من علي بن ابي طالب قوله : انما البلاغة اجاعة اللفظ وافاضة المعنى, وهوالقول الذي استند اليه عبد القادر الجرجاني في كتابه “اسرار البلاغة” .
الوصف يعد من ابرز اركان البلاغة , ويعد اقوى من التمثيل , حيث يسعى الشاعر منخلال الوصف الى افاضة المعنى , واحالة القارئ او المستمع الى خياله في محاكاةالمسقط الشعري حيث الواصف والوصف والموصوف.
اتسم شعر مظفر النواب وخاصة الشعبي منه في استخدام اسلوب جديد من الوصف , حيث اعتمد على مبدأ الاحالة , وهو منهج بلاغي عربي , لكنه وظفه بقدر عال من الحرفيةوالاقتضاب , ولم يسرف مظفر في كلماته حين يريد وصف المحبوب.
يقول مظفر في وصف الحبيب :
أدري
شنهي
ضيجة خلك خصرك!!
—–
اية بلاغة انجع من هذه في احالة المستمع او القارئ الى تخيل كم هي الحبيبة رشيقةوباسقة ولها خصر مميز , لكنه ربط الخصر ب” ضيجة الخلك” وهي لحظات التوحدالتي يمر بها الانسان حيث يكون اشبه بالمخنوق بسبب مشكلة ما .
وفي قصيدة “زرازير البراري” يحيل مظفر النواب القارئ الى بستان الورد كي يتعرفعلى جمال محبوبه حيث يقول :
وصفولي عنك
شال منك غيض
بستان الورد
والنرجس الرايج سكر
—-
هنا لم يذكر مظفر ايا من اوصاف محبوبه بل انه احال جماله الى معادلة ما بينه وبينبستان الورد والنرجس , حيث ان الاول حمل الغيض من جمال محبوبه والثاني راح فيحال سكر .
وفي قصيدة “وتريات ليلية ” الحركة الثانية , يصف مظفر النواب الهارب من الحكم فيالعراق وقتذاك , نحو ايران , وحين ” ودعه النوتي وكان تنوخيا تتوجع فيه اللكنة , قالالى اين المهرب .. فارتبك الخزرج والاوس بقلب مظفر ” , هكذا يصف رحلته عبر شط العربوحين وصل الى الاهواز ورأى بنات فارس وصفهن بما لم يوصفن من قبل حيث اجازلنفسه ان يسرف في المعنى بشكل كبير فيصف شكل الانثى , وقدرة تحكمها في ذكرهافي الليل , وهذه من الصفات التي تتسم بها الإمرأة الفارسية , فقال فيها :
ورأيت صبايا فارس يغسلن النهد بماء الصبح
وينتفض النهد كرأس القط من الغسل
أموت بنهد يحكم أكثر من كسرى في الليل.
—-
وفي العودة الى “الريل وحمد ” كانت لي حكاية مع عبد الحميد العلوجي , حيث كنتطالبا في اكاديمية الفنون الجميلة , وكنت اتردد على المقهى اللبناني في الوزيرية فيبغداد , وشاءت الاقدار يوما ان التقي بعبد الحميد العلوجي حيث كان يفتح نقاشا معيوسف عبد المسيح ثروت حول القصيدة الفصحى ومنافستها الشعبية , وكان العلوجيضد الثانية فيما كان يدافع بشدة عن الاولى – الفصحى– بل انه ذهب الى حد ان قال انالقصيدة الشعبية تعد مؤامرة على الشعر الشعر العربي , ولا أدري ما الذي دفعني رغمصغر سني , واني لم اعرف المتحدثين الاثنين بعد , فتدخلت في النقاش , وبتوئدة المبتدئ, وبرباطة جأش قلت للعلوجي : هل قرأت لمظفر النواب ؟
قال نعم
قلت هل سمعت وصف مظفر النواب لحبيبته حين قال :
جن كذلتك والشمس والهوى هلهوله
شلايل بريسم والبريسم اله سوله
واذري الذهب يا مشط يالخلكك شطوله
بطول الشعر والهوى البارد ينيم الكطه
—-
توقف العلوجي للحظات متفكرا بالصورة الشعرية التي استخدمها مظفر في استخدامالاحالة الشعرية لجمال شعر حبيبته في بيت واحد حيث افاض بالمعنى فعرفنا ان شعرحبيبته طويل , ولونه اشقر , ثم قال:
هل لديك ديوان الريل وحمد لأني سمعت به ولم اقرأه لحد الان ؟
قلت سأتيك به يوم غد.
وبالفعل اعطيته الديوان , وبعد يومين التقيته وقال لي : اما قصيدة : نكضني النهدشايل ثقل شامة, فانها قصيدة اموية بلباس عراقي لا يستطيع نظمها الا شاعر حقيقي.
وفي يوم من الايام اسمعني مظفر قصيدة كتبها في مقهى “هافانا” في دمشق حيث كناجالسين , فاسمعني :
شنهي اطيب من اذيتك..
عندي زهره زغيره كلش بين شدات الورد..
ترضى احطها بمزهريتك
عندي بذره وركضت مثل الصدك طشيتها بواسع محبتك
ضحكوا الكظوا عمرهم بلبذر كالولي كلش على نيتك
عندي سكته كلش اترجاك تسمعها وحب جفك
اريدن تفتهم مني سكتي وأفتهم منك سكتك
——
توقفت لحظة لم اعلق , وقلت له : لدي فهم ولكني خجل من البوح به , فقال لي : بل قل كياعرف كيف تفكر بما اكتب .
قلت ان المقطع : عندي زهرة زغيرة كلش .. بين شدات الورد .. ترضى احطها بمزهريتك.
—
هذا المقطع انا افسره .. ان لك قضيبا صغيرا بحكم العمر , وتستنجد بالحبيب كي تمارسمعه الجنس.
ضحك كثيرا , وقال مقبوله منك … مقبوله.