نادية الكتبي
في بعض الأحيان لا نستطيع أن نسامح من يؤذينا بل نشعر بالأذى الداخلي مطولاً وكلما تُعاد ذكرى الأذية نشعر بحرقة الجرح وكأن الإصابة بالأذى حدثت على الفور. فما هي الأسباب؟ وهل هذا صحي للنفس الإنسانية بالتعاملات الاجتماعية؟ وما السبيل لنتصالح مع أنفسنا ونسامح من تسبب لنا بالاذى في حياتنا ؟
ليس من السهل أن يتعرض الانسان للأذى ولكن الأصعب حقاً هو الأذى من الذي يكنّ له الفؤاد معزة ومكاناً . ولربما يحاول البعض منا أن يسامح العزيزعلى كثير من هفواته ولكنها عندما تتراكم وتتحول الخدوش البسيطة الى جرح عميق تلتهب الأحاسيس ويقوى الألم فتحدث الواقعه التي تسبب بنزف الجرح. بهذه الحالة ينهارالانسان المصاب وينهار ذلك الحصن المشيّد بالمحبة مع ذلك القريب. ولكن هل يستطيع المُحب أن يسامح؟
في الحقيقة تتفاوت المسألة مابين شخص وآخر . فهناك من يعاتب ويرد على الأذى بشكل مباشر. وهناك من يعتبر أن هذا الأذى ناتج عن سخافة بل إنه أمر سطحي و لا داعي للتوقف عنده . وهناك من باب الالتزام الديني والتقرب من الله يسامح الشخص لوجه الله. لكن هناك نوع يريد الانتقام ويرد الاذى ولو بعد حين نوع اخير و هو الذي ينسحب من العلاقة ولا يستطيع المسامحة وتبقى الذكرى تحفر بجرحه الى ان يذرف الدمع.
بتصنيف المتضررين المسامحين النتيجة سلمية بغض النظر عن المسببات ولكن شريحة المنتفم خطرة للغاية بالمجتمع. فهو ذلك المخطط للأذى بالوقت و المكان المناسبين . ويؤكد علماء النفس والاجتماع على الخلل الفادح بهذه الشخصية ويجب معالجتها لخطورتها في المجتمع . علماً بأن الشخص نفسه كان ضحية الأذى ولكن لا يُصحَح الخطأ بالخطأ. و يعتبر علماء النفس هذا الوضع باللاصحي نفسياً حيث إن المتأذي يكرس مهاراته لرد الشر بالشر.
في حين أن النوع الأخير و الذي يكتم في قلبه الأذى و ينسحب ولا يسامح ،شخص لا يقوى على المواجهه ومن جهة أخرى يخاف على مشاعره من الأذى المباشر فيقرر الانسحاب من العلاقة . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اذا كان انسانا جيدا و سلميا فَلِم لا يسامح؟ نعم إنه لا يسامح لأنه يعتقد أنه غُبن وأنه لن يستلم حقه الا من الله . ولكن في حالته هذه فهو الخاسر الأكبرنفسياً لانه في حالة حزن عميقة وتتجدد عليه الآلام بذكر اسم الشخص المعتدي امامه. فهذا الشخص كان يوما عزيزاً للروح وهذا الشخص كان يوماً مصدر ثقة.
لكن الحل الأسلم والصحي للنفس الانسانية هو في الحقيقة بالتسامح. لكن كلمة مسامحة أكبر وأقوى بكثير من لفظها وكتابتها. وتحتاج الكثير من القوة و الشجاعة و التغلب على الذات والتصالح مع النفس كي تتم. انها حالة تحتاج الى جهد عظيم، فصفة السماح صفة للخالق وما أنبل الذي يتصف بها من البشر.
وعلماء النفس والاجتماع يؤكدون على التسامح وطرح كل ما يسبب السلبية في حياة الانسان. فتحمل الغيظ والقهرمن شخص ما اثقل بكثير من التخلص منها. فبطرح الحزن وخيبة الامل من الشخص اسهل عملياً من التمسك بالاحساس بها . فعلماء النفس يؤكدون على مواجهة المشكلة وحلها بالاعتراف بالخطا الناتج من العزيز ومن ثم مسامحته على خطئه. وبهذا سيتحول كل ما هو سلبي ومحزن بداخل الانسان الى طاقة ايجابية وقوة داخلية ينبثق منها الثقه بالنفس.نعم إنه التسامح قوة سحرية لمحو كل سلبية في البشرية ورسم هالة من الايجابية والتفاؤل بحياة الفرد والمجتمع.