جمال العتّابي || كاتب عراقي
لا توحي البناية المطلة على شارع الرشيد، من جهة ساحة الميدان، فوق مقهى الزهاوي، انها فندق يستقبل النزلاء، ولا منظرها من الخارج يوحي بالسعادة، أو يبعث على الفرح، إذ تهالكت جدرانها، وتهدمت بعض شرفاتها، لكنك مدعو لأن تدرك معنى العبارة التي تصدرت الواجهة الأمامية، (للرجال فقط)، وتخترق الصمت الذي يلف السلّم الصخري، الذي يصعب على الكهل تسلقه، لتملأ عينيك بالسعادة. حاولت ان أعرف ذات مرة ان اتعرف على الغاية وراء هذا الاعلان، ولاسيما ان أغلب الفنادق في العاصمة مخصصة للرجال(فقط)، فلم أتوصل إلى أية نتيجة!
ثلاثة من أبرز نزلاء الفندق، قدموا من النجف في نهاية الستينات، هم : الشاعر عبد الأمير الحصيري، والكاتب حميد المطبعي، والقاص موسى كريدي، الأخيران أسهما في تأسيس مجلة (الكلمة)، التي خرج منها جيل من الشعراء والكتاب، وكان جيلاً جديداً حقا، تميز عمن سبقه وتلاه، مختلفاً في تكوينه الثقافي والنفسي ووعيه عن جيل الرواد. * ولبعض الوقت كان عزيز السيد جاسم أحد نزلاء الفندق قبل ان ينتقل نهائياً من الناصرية الى بغداد، والمفارقة المحزنة، ان هؤلاء جميعاً ، لم يهنأوا بسعادة تذكر، بل ترصدهم الموت، فكان عزيز أحد ضحايا الديكتاتورية مغيباً، وموسى كريدي مات شاباً، في قمة عطائه، كمداً من الحزن، والحصيري، (أتعس) السعداء، مات على الرصيف وحيداً، وظل المطبعي يعيش مرعوباً من شبح خيال القرمطي ووالي بغداد. وتجدر الاشارة الى ان الصديق العزيز جليل العطية كان قد صدر له كتابه (فندق السعادة) ، يروي فيه تجربة اعتقاله المريرةفي قصر النهاية بداية سبعينات القرن الماضي
أسفل (السعادة)، تشغله مقهى الزهاوي الشهيرة ، تستقبل روادها حين تتراخى أقدامهم بعد إعياء من السير، فتهوي فيها مستريحة، يقيمون النهار في حناياها، وزواياها، في الأزقة المحيطة بها، أكداس من النفايات وما خلفته المطابع، عالقة في النوافذ والجدران. تحكي إرثاً طويلاً في تاريخ الصحافة العراقية.
المقهى ماتزال متشبثة بالمكان، وبالماضي الذي نسجته العصور، بينما توارت مقاهٍ أخرى، قريبة منها(عارف أغا، البرلمان، البلدية، الغراف، الجمهورية، الهلال)، وذهبت إلى الموت طائعة مختارة، تحمل شهادة وفاتها، وعلى بعد خطوات من الزهاوي، مقهى حسن عجمي، انهما تقاومان الزمان الشائخ المثخن بالجراح.
لم يعد ل(السعادة) وجود، ولا الرجال، ولا النساء، يعرفون صناديق الأسرار، يخفون لميم الأسفار والأشعار والحكايات لا ماء ولا أغاني، انما شميم ماضٍ، وذكريات.
——————————–
* يمكن للصديق العزيز رضا الأعرجي، ان يصحح أو يضيف ويغني هذه اللمحة أفضل مني
I don’t know whether it’s just me or if perhaps everyone else experiencing issues withyour blog It appears like some of the text within your posts arerunning off the screen Can someone else pleaseprovide feedback and let me know if this is happening to them too?This may be a issue with my web browser because I’ve had this happen beforeMany thanks