عبدالسادة البصري || كاتب واعلامي عراقي
(( الطريق الى الفاو ..! ))
الطريقُ الواصلُ بين ساحةِ سعد في البصرةِ ومدينة الفاو جنوباً ، والذي يمتد لأكثر من 102 كيلو متر ، يُعتبر الطريق الوحيد بين مركز المحافظة والقضاء. وهذا الطريق عبارة عن (سايد) واحد ذي اتجاهين متعاكسين، فهو ضيّقٌ ومزدحم بالسيارات الصغيرة والكبيرة من ساحة سعد وحتى ميناء أبي الفلوس _رغم العمل به حالياً وبشكلٍ بطئ جدا _ ليستمر بعرضه الذي لا يتجاوز خمسة أمتار ما يؤدي الى الكثير من الحوادث. ذات يوم من هذا العام ، ذهبت مع اصدقائي لحضور احتفائية ( مجموعة منارات الحناء _ بمناسبة الذكرى الثامنة لتأسيس مجموعتهم على صفحات التواصل الاجتماعي ) ، حقيقةً أصابني الرعب مما رأيت : الشارع بالكاد يسع سيارتين وهو متعرجٌ في الكثير من الأماكن ، إضافة الى المطبّات والتكسّرات. وحينما كانت السيارة تمضي بنا صوب الفاو عدت بذاكرتي الى سبعينات القرن الماضي وكيف كنّا نأتي من مدينتنا الجنوبية هذه الى مركز البصرة بالباص الخشبي، وفي أيام المطر كان السائق يضع سلسلة حديدية حول الإطارات لتفادي الانزلاق ، وكيف كانت بعض العربات تغوص في الوحل والطين، فيتأخر وصولنا ساعات، حتى أخذنا نسافر ايام المطر الى العشار بواسطة الزوارق البخارية واللنشات .كان السير في ذلك الطريق عبارة عن سياحة بين عرائش (سوابيط) العنب وأشجار التين والرمان والنخيل الذي يحفّ بجانبيه ما يمنحك شيئاً من البهجة والطمأنينة!
منذ ثمانينات القرن الماضي وبعد أن صارت الأماكن هذه مسرحاً للحرب المشتعلة بين العراق وإيران تغيّر شكل الشارع هذا فصار طريقاً تسلكه العربات العسكرية وآلياتها. إلاّ انه في التسعينات أعيد العمل به بعد أن عاد البعض من أهالي الفاو الى مدينتهم، لكنه لم يعد مثلما كان حيث تثلّمت حوّافه وكثرت فيه المطبّات والتخسّفات وصار ضيقاً بعد أن تم تجريف الأراضي وقلع النخيل والأعناب وغيرها ، وأصبح لا يتّسع لأكثر من سيارتين صغيرتين، فبات مخيفاً بعد ما شهد من حوادث مرعبة !
قبل سنوات تم الشروع في توسيعه وجعله (سايدين)، وجرى العمل فيه ودفنه بالتراب والرمل وحدله، إلاّ إن العمل توقف فترة ، ثم اعيد الان لكن ببطء !
البلدُ في أزمةٍ ماليةٍ، نعم واغلب المشاريع توقّف العمل فيها نعم ،، لكن علينا أن نفكّر بالأهم ثم المهم ونعمل بالممكن كي لا تبقى حياة الناس مهددة دائماً ! لسنا بحاجة الى مجسّرات بقدر حاجتنا الى فتح شوارع جديدة تسع السيارات التي صار عددها اكثر من كل شيء ! ولسنا بحاجة الى مولات وأسواق بقدر حاجتنا الى خدمات في الشوارع الرئيسة العامة التي تربط أقضيتنا بمراكز المحافظات ! ولسنا بحاجة الى عمارات مهولة بقدر حاجتنا الى إصلاح الكهرباء والمجاري وتحلية الماء المالح والآسن ! نحن الآن بحاجة الى الأساسيات وبعدها تأتي الكماليات ، وعلينا أن نفكّر كيف نُنقذُ إنساننا من غربته في وطنٍ ينخر كل أجزائه الفساد ، وعلينا أن نحفظ دماء أبنائنا التي تسيل منذ زمن في حروبٍ ومعارك دمّرت وخرّبت كل شيء حتى النفوس والضمائر !
طريق الفاو بحاجة الى التفاتة من لدن المسؤولين والعمل على إصلاحه وتوسيعه حفاظاً على أرواح مواطنينا ، وان نجعل بناء الوطن والمواطن نصب أعيننا لأنّ عمرَ الفسادِ قصيرٌ والبناءَ والاعمارَ طويل !