-1-
الاعتدال والتوازن مطلوبان حتى في الشعر ، وحين يتجاوز الشاعر الحدود المعقولة فيمديحه يقع في الفخ وقد يدفع حياته ثمناً لتلك التجاوزات …
-2-
ومن أبرز مصاديق مَنْ سَاقَهُ الشعرُ الى احتساء كؤوس الموت الزؤام الشاعر الشهير عليبن جبله المعروف بالعكوك ( ت 213 هـ ) فقد مدح أبا دلف بقصيدة قال فيها :
انما الدنيا أبو دُلفٍ
بين باديه ومحتضرهْ
فاذا ولّى أبو دُلَفٍ
ولتّ الدنيا على أَثَرِهْ
وحين بلغ ( المأمون) خبر القصيدة غضب غضبا شديداً وقال :
اطلبوه حيث ظفرتُم به ، فظفروا به وجِيء به الى المأمون
فلما صار بين يديه قال له :
يا ابن اللخناء
أنتَ تقول في حَقّ أبي دُلف :
كلُّ مَنْ في الارض …
مستعيرٌ منك مكرمة
يكتسيها يومَ مُفْتَخَرِهْ
جعلتنا من يستعير المكارمَ منه والافتخار به
قال علي بن جبلة :
أنتم أهل بيتٍ لا يقاس بكم ، وانما ذهبتُ في قولي الى أقران أبي دُلَفِ من هذه الناس،فقال المأمون :
والله ما أبقيتَ أحداً ،
وقد أَدْخَلْتَنا في الكُلّ ،
وما استحل دمك بكلماتك هذه ، ولكني استحلهُ بِكُفْرِكَ في شعرك حيث قلتَ في عبد مهينذليل :
أنتَ الذي تُنزل الأيامَ مَنْزِلَها
وتَنْقُلُ الدهرَ مِنْ حالٍ الى حالِ
وما مددتَ مدى طَرْفٍ الى أَحَدٍ
الاّ قضيتَ بأرزَاقٍ وآجالِ
ذلك الله
أخرجوا لسانه من قفاه، فأخرجوه فمات من وقته.
وهنا نلاحظ :
أولاً :
انّ الاهتمام بالشعر كان على أشده أيام المأمون بحيث تنقل القصيدة اليه اثر شيوعهابين الناس وأين نحن اليوم من تلك الاهتمامات العامة بالشعر والأدب ؟
ثانيا :
انّ عاقبة الغلو وخيمة للغاية ولابد من الحذر والاحتراز من كل ألوان التطرف والغلو .
ثالثا :
ان رأس الهرم في الدولة كان هو الطرف المباشر لاتخاذ الاجراءات بحق المخترقين للخطوطالحمراء .
رابعا :
ان الطمع بعطايا أبي دلف ساق الشاعر الى مثل ذلك المديح فكان جزاء الطمع الشديدالحرمان من الحياة ..
ولن يفلح الطمّاعون …
خامسا :
انّ انتهاك الحرمات والقيم المقدسة لن يمر من دون عقاب في تلك الايام، خلافا لما هوالحال في أيامنا هذه حيث تكثر الاختراقات وتنعدم العقوبات..!!
وكأن الحريّة تعني الانفلات ..!!
سادسا :
ألم يكن الأْولى والأجدر بالشاعر – وبكُلّ واحد منّا – التضرع والابتهال الى ( الخالق ) بدلاًمن التوجه الى ( المخلوقين ) ؟
واذا جاد عليك المخلوق ببعض العطايا فانّ ربك الرحيم الكريم قد أسبغ عليك النعم التيلا تحصى منذ ولادتك وحتى النفس الأخير .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com