المجتمع بين التكييف و التثقيف

المجتمع بين التكييف و التثقيف

 

 

د. رقيق عبد الله – كاتب جزائري

 

 

 

ان المجتمع و الذي هو مجموعة من الأفراد الذين تجمعهم رقعة جغرافية معينة، و ينتظمون في إطار علاقات مؤطرة بنظام معياري محدد وفق محددات القواعد و القيم، المعايير و السلوك داخل هذا المجتمع، قد فرض التربية كعملية استدراج للفرد من خلال ادخاله ضمن قواعد المجتمع، و جعل من التنشئة الاجتماعية عملية اندماج هذا الفرد في المجتمع عن طريق تعلم قواعده و قيمه. ان التربية تختلف عن التنشئة الاجتماعية، فالتربية هي تلك الوظيفة الاجتماعية بالذات و هي فعل يمارسه جيل الراشدين على جيل أولئك الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعية، والغرض منها أن تثير وتنمي لدى الطفل عددا معينا من الحالات الجسدية والعقلية والأخلاقية يتطلبها منه المجتمع السياسي و البيئة الخاصة التي أعد لها خصيصا. فالتربية هي تأهيل للتنشئة الاجتماعية و التي بدورها تتم عبر عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعادٍ اجتماعية وثقافية، فتصبح هي الموجه الأساسي لسلوك الفرد داخل مجتمعه. ان التنشئة الاجتماعية تسير ضمن سيرورة من العوامل المجتمعة والمتداخلة والمتفاعلة فيما بينها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعوامل الأسرية كعدد الأبناء، وترتيب الطفل فيها، واتجاهات الوالدين الفكرية و غيرها.
و التنشئة الاجتماعية عبارة عن تعلم اجتماعي و من خلاله يتبوأ الفرد دوره المجتمعي، عن طريق التفاعل الاجتماعي، ويكتسب الأنماط السلوكية والاتجاهات المقبولة في المجتمع و هي كذالك عملية تعلم، يتعلم من خلالها الفرد أداء أدوار معينة باعتبار أن الدور الاجتماعي هو تتابع نمطي لأفعال مُتعلًّمة عبر أفعال معينة يقوم بها الفرد وفق مواقف تفاعلية و يرتبط كل دور بالمركز والمكانة الاجتماعية. ان التنشئة الاجتماعية تمر عبر مؤسسات محددة فالاسرة تحدد نمط التنشئة الاجتماعية الداخلية و الخارجية كذا المدرسة و التي هي ليست مصدرا للعلم والمعرفة فقط بل هي مؤسسة لها وظائف حيث تمرر التوجيهات الاجتماعية والفكرية والوجدانية للمجتمع. وايضا الشارع الذي يسمح للأفراد بالتفاعل والتواصل والتبادل على نطاق واسع وبحرية أكبر و فيه تنشأ علاقة الفرد بجماعات مختلفة تؤثر فيه ويتفاعل معها كالرفاق مثلا. و تأتي وسائل الاعلام
و الميديا و علاقتها بالزمن و ما تنتج و تشجع. كما ان المسجد يهدف الى توحيد السلوك الاجتماعي و تنمية الفرد والجماعة على المعايير و التعاليم الدينية نحو إطار سلوكي معياري موحد. و ايضا جماعة الرفاق تؤثر في التنشئة الاجتماعية
عبر اتاحة فرص التجريب و المساعدة على الاستقلالية. ان كل هذه المؤسسات المجتمعية و دورها في التنشئة الاجتماعية لا تلامس الشرط الثقافي الذي يبني الكل لا الجزء فأقتصر دور التنشئة الاجتماعية في تلك القيم و المعايير و القواعد التي تساعد الفرد على التكيف في مجتمعه من أسرة و مدرسة مسجد و شارع و رفاق، دون الوصول إلى الشرط الثقافي المكتمل و الذي هو عملية التثقيف الذي يمارسها المجتمع لافراده عبر ملامسة كل مكونات الثقافة الميتافيزيقية و الواقعية المرئية و الضمنية، و يعتبر المجتمع نفسه آلية من آليات التثقيف في حد ذاته، فالثقافة هي الكل المركب و الشرط الثقافي هي تعلم الكل و التنشئة الاجتماعية هي تعلم جزء من الكل. فالتنشئة الاجتماعية عملية فعلية و غير فعلية مقصودة وغير مقصودة هادفة وغير هادفة، منظمة وغير منظمة إيجابية و سلبية. و التنشئة الاجتماعية جزئية و غير شاملة محددة عكس الثقافة الممتدة و التي تسمح للفرد المجتمعي بالاندماج ضمن محيطه الخاص و تكوين مكونات اخرى خارج احاطته. فكلما امتلك المجتمع تفعيل الشرط الثقافي عبر بناءاته المؤسساتية كلما اقترب الانسان لانسانيته و المجتمع إلى تفهم أفراده فهي الخلق المستمر للذات و منه الوعي بوجوده.

(Visited 1 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *