محمد الكلابي – كاتب عراقي
إذا لم تكُن معي ومُستسلماً لتوجّهي ، فأنتَ غريبٌ عنّي وخارجٌ عن ملّتي..! إنّها طريقةٌ التفكير والحوار التي تَتلمذنا عليها ، نحنُ أبناءُ المنطِقة العربية ، سواءٌ أكنّا مثقفين ، أم بُسطاء ، طريقةٌ لا تخرجٌ عن معنى : ( إذا لم تكُن مٌسلماً ، فأنتً كافر ..!! ) و هذا ما ينسحِبُ على كلّ سلوكاتٍنا في الحياة.. فهل لمؤمنٍ بعقيدة أن يُناقشَ بغيرِ اتّهام الآخر ..؟ و هل إذا ناقشً يسمعَ الآخر ..؟ يتكلّسُ هذا الكائنُ حول فكرتهِ ، و لا يسمعُ ، أو يرى غيرها .. ليس المطلوبُ أن تُشاطرَ الآخر أفكارَه ، و لكن على الأقلّ إسمع حتى النهاية ، و تجرّد قليلاً من صنميّتِك ، لكي لا تُقادَ مثل خِرافِ العيد إلى المذبَح ..!
هل جرّبتَ أن تعيدَ النّظر في ثوابتِك ..!؟ جرّب ، لعلّك تُعيدُ بناء عقلِك المقارٍن .. فالعقلُ المقارن هو سرّ تطور البشرية ، جماعاتٍ ، وأفراداً .. ساهم أنتَ بتشكيلهٍ ، في تحطيمِ ثوابتِك التي ترمي الشّوك في دربِك و قارن .. هدّم أعمدةَ وعيك المٌزمنة ، و المُمعنة في هلاكٍك ، و ابنِ في مكانِها ما يرفعُ حضورك الإنسانيّ ، لأنّ العقلَ السليم جدّاً هو الذي يُهدّم دائما مرتكزاتهُ القديمة ، ليبنيَ الجديدَ البديل المتطوّر ..
ثمّ إنّك في فلسفةِ الاختلافِ والحوار، لا تُصرّ إصراراً طفولياُ على ربحِ سِجال أو اقناعِ غريم ، فبعضُ النقاشاتِ هي بطبيعتِها غير قابلةٍ للحسمِ القاطع ، لأنّ قضاياها ظواهر إنسانية، معقّدة ، متغيّرة ، نسبية .. ولذلك إن لم يٌسعفكَ حجاجٌك في إقناع الآخرين بصدقٍ قضيّتك و طروحاتك، فاعلم أنك لست عليهم ” بمصيطِر ” أفأنتَ تُكره الناس على الاقتناع ..؟! إعلم أنّ هذا الخلاف هو ظاهرةٌ علمية وطبيعية، و أنّ المخالِف ليس عدوّاً و لا عميلاً و لا خارجاً عن الملّة كما تدّعي ..! بل هو شخصٌ يرى الأمور من زاويةّ أخرى غير زاويتِك ، هذه الزّاوية يختلطُ فيها الذّاتي بالموضوعيّ بالنّفسي بالتاريخي بالسّوسيولوجي بالبراغماتي … كل هذه المُتغيّرات تتظافرُ لكي تشكّل نظرتك للعالمِ الإنساني ، و كلُّ هذه المتغيّرات تختلفُ من فرد لآخر، وتتلّون بلونِ التاريخ النفسي والحياتي للإنسان ، و هذا التاريخ هو كبصمةِ الإبهام لا يتكرّر مرّتين..! ولذلك فمن المستحيل أن ينظُرَ فردين للأمورِ و القضايا الإنسانية من نفس الجهاتِ
والقناعات ، لاختلاف ميكانزيماتِ وتمثّل العالم من فردٍ لآخر ، وهكذا …