كتبت : نادية الكتبي
نُسعد بكلماتٍ معسولة بالمناسبات الاجتماعية ولكن نغضب بشدة عندما نعرف ماقيل بعدها من عبارات مذمومة وراء ظهورها. فهل نحن نجامل أم ننافق؟ وهل مطلوبٌ منا أن نكذب باظهار مشاعر مزخرفه تُخبئ في حِجرها نوايا السوء و الكراهية ؟ وما سبب هذا النفاق المتفشي بالمجتمع؟ والى أين نسير بوباء يفتك في العقولويظهر باللسان؟ العدوى فيه سريعة الانتشار حيث تدمر الفرد من الداخل وتهدم المجتمع؟
صحيحٌ أن الكلمة الطيبة صدقة وصحيحٌ علينا الابتسام بوجه من نقابل ولكن غير صحيحٍ أن نكذب بمشاعرنا في سبيل دبلوماسية العلاقات الاجتماعية . وهناك فرق واضح مابين السيطرة على الغضب و التكلم بحكمة في حالات الانزعاج وبين التعبير بمشاعر الحب و الاعجاب لنفس الشخص. وصحيح جدا ان نجامل الاخرين في المناسبات في جو من الالفة. حيث تعتبرهذه المجاملات الصمغ الذي يلصق الافراد ليشكل حلقات الحوار.
ومن الخطير جدا أن يختلط علينا مفهومي المجاملة و النفاق . فما نضمره في دواخلنا هو الفيصل بينهما و الكذب هو الخط الرفيع الذي سيفرق بين الامرين. فعلينا أن نتذكر أن النفاق هو اظهار و قول عكس مافي دواخلنا .أما المجاملة دليلُ خيرٍ في التواصل. ففي بعض الاحيان من خلال مجاملة لشخص غريب تُبنى علاقة صداقة. وأحيانا أيضا من خلال مجاملة لطيفة تَهدأ نفوسٌ كانتالحرب قائمة بينهما. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هلعلينا أن نكذب لنجامل؟ في الحقيقة لا, ليس علينا الكذب انما لا يحق لنا بأن نكون فظين في التعامل. نعم علينا اظهار حقيقة مشاعرنا ضمن قواعد الادب و الاصول.
ولكن للاسف قد تعودت مجتمعاتنا على المبالغه باظهار المشاعر المزيفة باطلاق عبارات حميمة و بالتقبيل و الحضن. وهي سبب من أسباب تفشي وباء النفاق الاجتماعي ولربما في بعض المجتمعات يستمر الحديث بشكل ودي ولا يُظهِر فيه المتضايق أيّ علامة من علامات عدم الرضا. هذه حالة نفسية غير صحية لان المتكلم في هذه الحالة يفصل نفسه عن أحاسيسه الحقيقية مُغلفا مشاعره ثم يقوم بتلوين كلماته. وسرعان ما تنتهي المحادثة حتى تتوهج الاحاسيس الداخلية مفجرة الغضب فيه .
ومن الاسباب الجوهرية لتفشي النفاق في مجتمعاتنا هو مجاراة ما يدور في الحوارات وهو خير دليل على ضعف الفرد الذي لا يستطيع ان يدافع عن ارائه ومعتقداته. حيث يوافق المنافق من حوله بالنقاش و باعطاء الراي الامثلبينهم. وان صار في مجموعة أخرى و رأيهم مغايرلذلكنراه يؤكد و يثني على فكرتهم بل يتطرف ليظهر مدى تأييده للفكرة.
أما المصلحة, فتعتبر من الاعمدة الاساسية للنفاق. فكم من فرد يضمر كل مشاعر الانزعاج لفرد اخر بينما يُصادقه معبراً له بكل أحاسيس الحب و التقدير من أجل غاية يستطيع الاخر تحقيقها له وهذه الحالة تتجسد ابتداءا من خلية البيت الى العالم. فهناك من يُمجد فرداًمن أفراد عائلته ليقضي له حاجته و هناك من يُمجد رئيسا لتحقيق أهدافه. وفي كل الاحوال يبقى النفاق الوسيلة الاسهل لنيل المكاسب في مجتمعاتنا.
نضيف الى ذلك الدين .فهو أحد الاسباب التي يفشل بها الفرد ويتحول الى منافق. فالفرد الذي يعتبر نفسه متدينا ويعظ من حوله ويباشر بانتقاد الناس ان لم يطبقوا الوصايا, بينما هو فاشل بالايمان بها ذاتيا ويتصرف عكسها , فهو المنافق الامثل. ولكن الاتعس من ذلك أنه لا يعترف بنفاقه بل يصرّ على المناداة بالشعارات الدينية الرنانة.. وهذا خير دليل على ما كتبته صحف فرونتير المتخصصة بابحاث علم النفس النرويجية سنة 2020 ان النفاق يحصل عندما يفشل الناس بان يمارسوا ما يعظون به .
افة النفاق افة العصر ولكن بقدرتنا حل هذه المشكلة ببساطة و بشكل مباشر بممارسة الصدق . فليس علينا ان نكذب لنجامل ومجتمعاتنا تتجه لللامصداقية ان استمر النفاق متفش بيننا. ومن يريد التطهيرمن النفاق عليه بتهذيب نفسه بالصدق لانه المضاد الوحيد لهذا الوباء.
.