كتب : نعيم عبد مهلهل
في مفارقة الزمان أن يجيء لنهارك ظل لم يحسب يوماً في حياته أن يكون في هذا المكان، ويغيب ظل من هذا المكان ولم يجول في خاطره أنه يفارقه في يوم ما.
ثنائية بول بريمر وعواد مطشر في مكان اسمه الهور الأخضر في مدينة الجبايش، هي ثانية القدر في المكان، منذ أن حمل جلجامش حقيبة سفره ليبحث عن شيء، أحلامه.
قول: إنه موجود وحواسه تقول: إنه وهم وليس له وجود، وبالآخِر انتصرت الحواس على الحلم، وعاد فتى أوروك خاليَ الوفاض، ولأن عواد مطشر أراد أن يثبت بأن جلجامش لم يفتش جيداً وأنه تناول حبوب (فاليوم) ونـام فأخذ منه الثعبان (العربيد) ما تحمل لأجله وعليه أن يعيد تصوراته الجديدة للحياة بدون عشبة خلود، فما يجلبه قد يمنحه القوة ليفك السداد الترابية عن الهور ليعيد الحياة إلى قريته التي جف أضرع جواميسها، وحمل أهلها حقائبهم وهاجروا ومنهم تلميذي (عواد مطشر) الذي لجأ إلى معسكر رفحاء وجاءت الأمم المتحدة لتختار له مدينة لاهاي الهولندية وصار يكاتبني بين فترة وفترة، وفي واحدة من رسائله كتب لي: اليوم (بول بريمر) استراح بمشحوفه قرب مضيف أبي الحاج مطشر، لكن المكان من دون دلال قهوة، وأبي لن يستقبل ضيفه ليسأله: من أنت. لتأتي مع العساكر والصحفيين، عن أي شيء تسأل، وماذا تصورون، إن أردتم الجنة تعود كما سابق عهدها، اجلبوا الشفات بدل وكالات الأنباء، وأرسلوا بدل بول بريمر كل وزراء الحكومة. أبي سكن الثرى ولم يعد يملك قوة الاحتجاج مثلما فعلها في وجه ضابط التجنيد عندما َكبّروا عمري من أجل سوقي للجيش حين قال لهم: الأطفال لا يذهبون للحرب. تعجّب الضابط من عبارة أبي وهمس في أذنه: فوجئتُ من ردِّكَ أيها المعيدي، وأحترم عبارتكَ هذه. همس للعريف (علوش جهيد) كاتب التجنيد وقال: علوش صَغِّره خمسة سنوات واجعل عمره أربعة عشر عاماً. لقد كان المرحوم شغاتي يعلم آباءنا كيف يحوِّلوا ما يحسُّوه إلى كلمات. كام تلميذي أعاد لي نبوءة لشغاتي سكنته ذات يوم وقد أنهى مثلي قراءة قصيدة والت ويتمان قصيدته (أغنية نفسي): الكل جاء هنا، الإنكليز والألمان واليابانيون وهنود سيخ، فرس وترك ورومان، قرامطة وزنج، وحتى من أذربيجان، عدا الأمريكان لم يجيئوا إلى الآن؟ لم يقل شغاتي متى يأتون، ولكنه حين يتأمل غاف مجلة فنية عليها صورة الممثلة (مارلين مونرو)،حدسمافيداخلهيهتف:ستكونينيوماً ما هنا؟ قلت: ولكنها انتحرت. – أولاد عمها، أخوالها. قلت: الوهم صار يسكنك، تريدهم أن يأتون لك بالبسكويت والنساتل كتلك التي جلبها المنِّقبون. قال بذكاء: نعم مثل البسكويت الذي جلبتهُ إلى فيتنام. قلت لعواد في جواب على إيميله: بإمكانك أن تكتب في الإنترنيت والصحافة ما تريده وتتمناه وتشعر به إزاء استراحة بول بريمر قرب مضيف أبيك. بعد يومين قرأت في موقع إلكتروني ما يتمناه عواد مطشر من أجل الأهوار وقريته، وفي خيالي مفارقة الصورة التي يتحدَّث عنها حول زيارة الحاكم المدني لقريتهم، وكتبت تعليقاً تحت المقال وبتوقيع (معلمك القديم): هناكَ بريمر وهنا مطشر.
،، وهـو ما يميز أغلب الاعمال الفنية