انتخابات تشرين .. سباق المسافات القصيرة

انتخابات تشرين .. سباق المسافات القصيرة

 

للمستقل : كتب المحرر السياسي

في الوقت الذي تعد فيه الانتخابات التي تجري في الدول المستقرة المحترفة سياسيا سباقاً صعبا للمسافات الطويلة وماراثوناً يمر بمحطات سياسية واجتماعية وبرامج تقدمها الاحزاب المشاركة متعهدة حسب الاحصاءات والتقييمات العلمية وفلسفة كل حزب للادارة في تقييم الوضع الاقتصادي والصحي والامني والعلاقات الدولية ، وغيرها من شؤون البلاد المركبة امام حساب ليس سهلا من قبل المؤسسات الدستورية التي تراقب عمل الحكومة واداء البرلمان ، تبدو الانتخابات في العراق سباقاَ للمسافات القصيرة الواضحة السريعة التي لاتعقيد فيها! خاصة بعد ان تخلصت من نير الضغوط والتهديد الذي فرضته الاحتجاجات الشعبية على ادارة البلاد خلال السنتين الماضيتين ، فقد انصرف الجميع الى تاثيث الميدان الحكومي والسياسي بذات المقاعد وذات الوجوه وتحول دوافع التوتر من نزاع بين المجتمع والطبقة الحاكمة الى نزاع بين اقوياء تلك الطبقة نفسها . وعليه ليس هناك مجال أو أمل في تتغير كليا التقاليد والاليات التي أديرت بها الدولة في المرحلة الماضية، اللهم الا اذا حدث تحول مفاجيء لدى بعض السياسيين ليجروا مراجعة جريئة ويغيروا الاوضاع في العراق الى ما يعد تحولا جذريا ليس في السلوك السياسي فقط بل في اهمية الانتخابات المقبلة التي لايرى فيها المجتمع سوى اعادة منقحة للمشهد السياسي السائد .
بدأ السباق الان باعلان الكتل السياسية عن مرشحيها وبروز شخصيات مستقلة تدخل المعترك السياسي للمرة الاولى فيما يعد مغامرة وسط كواسج السياسية العراقية املهم بان يشارك العراقيون المحتجون على الاوضاع كي ينالوا هم فرصتهم لان اولئك هم جمهورهم فقط . وأية مقاطعة ستضر حصراً بالمرشحين الجدد غير المنتمين الى أحزاب السلطة .فيما بدت معالم البذخ الانتخابي على الكتل السياسية المعروفة رغم محدودية مساحة النشر الانتخابي حيث عمل قانون الدوائر الانتخابية الى تركيز المرشح على ابناء المنطقة التي رشح منها دون بقية المناطق التي يتنافس فيها اخرون .وشهدت الحملات كالعادة تشابها في النهج والدعوات الى الاصلاح، لكن اللافت هو خروج شخصيات من داخل العملية السياسية تجردت كما تقول من انتماءاتها السياسية لتعلن عن برامج تتحدى فيها الحالة السياسية القائمة وتعد بالاصلاح وتطرح مشاكل جدية واساليب ومعالجات مباشرة لها وهي شخصيات دون ذكر الاسماء من جميع الاطياف العراقية الفاعلة .
مايعزز الامر اكثر ان بعض الكتل بدات تتحدث من الآن عن مناصب عراقية اساسية للمرحلة المقبلة ما يمثل أعلى درجات التنافس واشارات التحدي المتبادل للظفر بمناصب عليا تحولت حكراً على مكونات بعينها رئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة مجلس النواب للسنة ورئاسة الجمهورية للكرد وتوزيع بقية اسهم الوليمة على المكونات الاخرى .. لذلك نرى حصرية التحدي بين الكتل الشيعية والسنية والكردية كل على حدة في مسيرة هذا الصراع .
الغائب الاكبر في كل هذا المهرجان الاستعراضي الانتخابي هو التشرينيون الذي ابتلعتهم الوعود والطمأنة وظلوا مابين مشكك معتزل ومشكك مساهم في ان مايجري هو فعلا حصاد انتفاضة تشرين كما وعد رئيس الوزراء وان مايسفر عنه سيحقق ولو جزءا يسيراً من أحلام الشباب التي ارتفع سقفها في العلن وظل مرتفعا ولكن في السر ، عسى أن تعي الطبقة السياسية أن الانتخابات المقبلة لن تنتهي بانتهاء المسافة القصيرة التي يقطعونها، بل ستكون تحت الملاحظة الدولية عن قرب وعن بعد معا، وهو مبدا بدات اشاراته من الآن تصدر من الاتحاد الاوربي ومن الامم المتحدة ومن الولايات المتحدة التي ترى انها مازالت راعية للعملية السياسية العراقية .بمعنى ان الانتخابات المبكرة التي يُعد مجرد اجرائها نجاحا سياسيا ليس مهمة بالقدر الذي يراقب فيه العالم من هم المتسابقون ومالذي سيجري بعد ظهور النتائج؟.

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *