العراق ازمة قيادة ام نظام سياسي؟ / احمد الميالي

العراق ازمة قيادة ام نظام سياسي؟ / احمد الميالي

د.احمد الميالي.
تتوالى وتستمر ممارسة جلد العملية السياسية العراقية بسياط الفساد والصراعات السياسية ، وقد يعزى ذلك الى طبيعة النظام السياسي الذي بُني سلوكيا وفق مبدأ المحاصصة السياسية واستغلال جمود الدستور وتأويلات بنوده ، لكن الحقيقة والواقع تشير الى ان الخلل والعلة ليست في النظام السياسي والدستور فحسب، انما له مسببات عدة ناتجة عن الممارسات الخاطئة والمتراكمة للقادة السياسيين التقليديين من مختلف المكونات ، ممن اسهموا في اضعاف النظام السياسي واجهاض كل محاولات انقاذه حينما تتاح الفرص ، وتبرز مشاريع وبرامج وقيادات وطنية تريد مواجهة هذه الاختلالات..
هذه الممارسات التي يتمسك بها القادة التقليديون الذين يعملون تحت غطاء واسوار المكونات المحصنة بذاكرة ملئية بالدماء والعداء والخوف من الاخر ، يجعل اي مبادرة او مشروع يعمل على تخليص النظام السياسي العراقي من مخرجاته السلبية مسألة صعبة التطبيق، حتى في اللحظات التي يكون فيها الجميع تحت التهديد الوجودي ، يتم التموضع باستغلال هذه التهديدات لتعزيز المكاسب واضعاف الخصوم والمزايدة على حساب الوطن والمواطن، وهذا ماحصل بتهديد داعش الواضح والصريح ، ومحاولات توجيه مسار الاحتجاجات الشعبية وركوبها بعدما هددت بقاء تلك الطبقة السياسية، والتدخلات الاقليمية والدولية المتواصلة في الشؤون الداخلية للبلد.
إذا كان ثَمّ هنالك أمل، فإنه ينعقد ويقع على عاتق جيل شبابي جديد من قادة أكثر اعتدالا بالظهور على الساحة السياسية، مثل هذه الشخصيات تمثل جيلاً جديدا من القادة السياسيين يُراهَن على اداء مثل هؤلاء إنهاء الصراعات والخلافات المحتدمة بسبب سياسات وممارسات القادة التقليديين الأكبر سناً والذي قاد اداءهم الى تدمير هذا البلد.
يتطلع العراقيون الى وصول شخصيات شابة ومعتدلة الى مراكز صنع القرار تنبثق من رحم المجتمع، لم تكن نتاج حركات المعارضة في المنفى ضد النظام البائد ولم تحمل السلاح يوما ولم تحرض ضد الدولة وتتآمر على البلد، وبامكانها تشكيل فرص واجتراح سياسات تعمل على الاسهام في بناء الدولة وفقا لاستحقاقات هذه الحقبة، فبإمكان مثل هؤلاء القادة تمثيل مصالح ما بعد ٢٠٠٣ ، المملوءة بنظرة متطلعة جديدة غير متأثرة بضغائن الماضي، رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي يمثل نموذجا ايجابيا لمثل هذا النموذج من القيادة.
ينعقد الامل بالانتخابات القادمة لبروز شخصيات وقيادات وطنية تعمل على ترصين النظام السياسي واستقرار العملية السياسية العراقية، بالمقابل يعمل الجناح التقليدي على استعادة مواقعه نتيجة تضرر مصالحه كلما ازدادت شعبية القيادات الشابة والمعتدلة.
العراق بحاجة لقادة معتدلين يعول عليهم في فتح قنوات تواصل ايجابي مع المجتمع الدولي، تجعل منهم رقما حقيقيا في السياسة العراقية بما يؤهلهم ليكونوا قيادات مقبولة لدى القوى الاقليمية والدولية ، فضلا عن قبولهم المحلي والاجتماعي، ولهذا تبرز الان نزعات مضادة نحو الانتخابات ومحاولة تأجليها بعدما استشعرت الطبقة السياسية التقليدية بروز قيادات شابة معتدلة الى واجهة الساحة السياسية بدلا عنهم.
أن العوامل التي ستمزق العراق الى اشلاء هي الانفعالات والعواطف والطائفية والخوف والتردد من بروز قيادات عقلانية ومشاريع وطنية جديدة قادرة على تمثيل المصالح بشكل عادل والبقاء صفاً موحدا ضد الطموحات والتدخلات الخارجية.
فلا بد ان يتم دعم واسناد القيادات الجديدة الشابة القادرة على البقاء هادئة والمعترفة بالاختلافات بين مكونات البلد، والعارفة بمعطيات ومتطلبات المرحلة الحالية وتفهم سايكلوجية الجيل الجديد، يُراهن على استقلاليتها واعتدالها وإدراكها للتحديات الاقتصادية والسياسية والامنية الماثلة أمام البلاد. وبهذا سوف يكون هناك سبب للتفاؤل ، وعدا ذلك قد لن يبقى العراق متماسكا، عِقب سنوات طويلة من الفساد والسرقات، ولابد مِن وضع حدٍ لذلك، عبر احلال هذه القيادات في رأس الهرم السياسي لتعمل على رد الاعتبار للمواطن العراقي والغاء التفكير بنمط المكونات بل بنمط الهوية الوطنية مع احترام الخصوصيات الثقافية لهم، والطي النهائي لملف الفساد السياسي والبدء بمصادرة اموال كبار الفاسدين ، وانهاء نظام المحاصصة والدخول بتجربة الكفاءة والخبرة والنزاهة في تولي المواقع ووضع اليات لمنع تكرار ماحصل سابقا، ونزع سلاح الجماعات الموالية للاجندات الخارجية المستحوذة على المال العام، وجعل سياسة العراق الخارجية واضحة ومتوازنة إزاء الدُّول كافة : لا مقاومة ولا اعتدال، والعمل على تاسيس اسلوب جديد للحكم والتدبير واستثمار دائرة الفرص الضائعة لمعالجة كل هذه الاختلالات، وهذا يحتاج ضغط شعبي مشاركة انتخابية واسعة يقوم فيها المواطن على التحرر من ضغط انتمائه السياسي أو المذهبي عند التصويت ، عدا هذا سيبقى التخلف والوهم سائداً ولو بعد مئة عام.
لا أحد يمكن أن يكون متفائلاً بشأن مستقبل العراق ولانريد المبالغة في القول والحديث أن هذا المستقبل مرهون فقط على وجود وصعود القيادات الجديدة المعتدلة التي اشرنا لها فالنظام السياسي العراقي له مشاكله ويحتاج الى الاصلاح والتحسين، لكن تزداد هشاشة الديمقراطية وحضور المخاطر السياسية وتزايد ازمات النظام السياسي، في ظل عدم وجود وصعود قيادات سياسية تؤمن بالمشروع الوطني العراقي الى واجهة السلطة، وبقاء قوى الحرس القديم في العملية السياسية العراقية.

(Visited 6 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *