شوقي كريم حسن – كاتب عراقي
فجأة اعادته الحرب،بعد ان فقد ساقه اليسرى، وظل طوال السنوات العجاف،يناديه مسؤول السجن،
(اعرج البين من اجل ماذا فقدت ساقك..واضعت سنوات عمرك هباءا منثورا..كنت اتابعك بشغف وحب وتفاخر ،وانت تركض مثل غزال شاردة مجتاز الحاجز تلو الحاجز.يصفق لك الجمهور ويهلل باسمك..ماكان عليك ان تبقى منتظرا موتك..وانت تعرف كل شيء،غائك اوقعك في احواض نهب السنوات..تصورها الان ،التي كانت تقف عند باب الزقاق مبتسمه،تلوح بيدها من تحت العباءه التي انزلقت قليلا لتظهر قذلتها التي تسرسحت الى مفرق عينيها،كنت محط حسد جميع من صفق لك،وهتف باسمك، اتدري ايها الارعن،هي الان تتوسد ذراع صبي عرف كيف يزوخ من احضان التوابيت،اتقن اللعبة بروح من التحدي المرح،قال لأمه—لا تخافي ما جئت الدنيا ..الاغبياء الذين يخافون الملاحقة والتهديد هم وحدهم من ستعود بهم القطارات الى احضان امهاتهم…قال هذا ومضى باحثا عن درب لسنوات طوال،ظلت ملامح المدن تلاحقه،كان يغازل حاناتها المكتظة بالعواء والصخب،وحين يمخر الخدر جسده،يطوصح رأسه يمينا وشمالا،وبحركة صعبة للغاية يرفع كلتا يديه الى اذنيه،كمن يريد ان يؤذن،اعتاد الروادالرافلين ببحار من الخدر،وصلته اليومية هذه(تنحنح..ترنح..خفض رأسه قليلا الى الارض كمن يبحث عن بقاياه..)
ودون مقدمات،ناحت روحه.. بوجناغ يابو جناغ..احاه،تردالحناجر وراءه دون ان تفقه من قوله شيئًا (احاه،،احاه..احاه) عذبت حالي..ينخرط جسده بليونة جسد عربيد مرتطما بالبلاط الذي كان ينز بردا ،حين فتح عينيه ،كانت الشجره اليابسة الاغصان تلوح له،وثمه بنت بلون حلاوة الدبس ،مشمورق القذلة عند مفترق العينيين الذين ازدادا ظلمة مصحوبة بالادهاش،قرر ان يعود،فيما جئت انت المسكين ،بائع المباديء العجيب،تكزل بإتجاه منفاك الذي لا يعرف احدا متى تخرج منه؟
طل يتابع بعسر،ودهشة تلك المسافات التي التهمت مثل نار تنور مسجور،بقايا احلامه واحزانه ورغباته،ومنحته اوسمة غزيره من الجنون،حين يبصر احداهن قادمه،يهمس لنفسه—هي عرفت بعودتي فجاءت لترحب بي!!
لكنها تمرق،مثل حزمة ضباب،دون اكتراث،يلطم جبهته،وتغرورق مباصره التي كلت،بوابل من امطار الحسرات،لابد ان تجيء..الانتظار هنا ..لابد وان احدماسيقول لها،اني عدت!!
بدأت البوابه تزدحم برجال ونساء،محاولين اجتيازها ،والدخول الى قاعة العرض المسرحي،
بغتة وهو يخطوقافزا مثل كنغر،رأها تجتازه،اوقف قفزاته،ثم اوقف تنفسه لبرهة وقت،ثم اطلق زفيرا اثار روائح غريبة،ومن دونما وعي راح يصرخ—-هي..هي..هي!!
التفت الجميع إليه،متوهمين ان اللعبة المسرحية قد بدأت ،تسمرت اقدامهم وبصعوبه خطت الى الداخل بعد يقين انه ليس سوى صراخ مجنون عابر،قفز بنشاط ليقف عند المدخل الرئيس،نظره البواب باحتقار وقرف،بصوت وقح لا رفق فيه،—
الي اين؟
قال—اريد الدخول…رايتها تدخل!!
لم يفه البواب بشيء،بل مد كلتا يديه الخشنتين ،ودهدره مثل كره جواريب عتيقه الى حيث الرصيف الذي احتضنه،بسيول من الدماء التي تحولت الى خرقة سوداء باليه،كان يردد بهدوء،هدوء اثار احزان الارصفه التي تعرفه، فشاركته نواحه واساه—انها هي..اقسم انها هي..ولكنها ما عرفتني لاني ماكنت انا..لقد بقيت هناك..هناك عند اول تابوت ينتظر اوبتي!!