(ذا هوم) – التباين في المنظومة الادائية و التكوينية / حمه سوار عزيز

(ذا هوم) – التباين في المنظومة الادائية و التكوينية / حمه سوار عزيز

كتب : حمه سوار عزيز

تعتبر مسرحية ذا هوم واحدة من اكثر العروض المسرحية التى اثارت جدلا واسعا خلال مهرجان العراق الوطنى للمسرح أو خارجه، فالعرض وقف حائرا بين مؤيديه و المنتقدين الرافضين لثيمة العرض و الطروحات الفكريه و الفلسفية التى اثارها العرض، حتى أن البعض انتقد العرض بشكل صارخ بسبب اعتقادهم باساءته الطائفية لطائفة معينة من الشعب العراقي.
في هذا المقال سأحاول ان اقف طرف المحايد من هذا الصراع و سأبدا بأستنطاق العرض من خلال مفرداته الغنيه و المتعدده، فالعرض بدأ بصيغة غير مألوفه عندما يحاول رجل السلطة استيقاظ بعض الشخصيات من داخل توابيتهم لكى يسألهم سؤال محدد، هل انت معنا أم معهم، ونكتشف من خلال الاجابات المختلفه للشخصيات و رد فعل رجل السلطة، بأن السلطات امة واحدة يدعم كل منهم الاخر و هم بالاساس يشكلون وجوه مختلفه لعملة واحدة و هى قهر الشعوب و ذلهم باية طريقة ممكنة.
السينوغرافيا عبارة عن بيت بدون جدران و هوية، متقهقر داخل سياق مدينة مدمرة و متهالكة يتحكم بها الشيطان المستوطن داخل قلب المدينة، فيظهر على السطح ثنائية الحاكم و المحكوم ، والبيت يحرك من خلال كاست العمل شمالا و جنوبا و شرقا و غربا لكى يدل على البيوت المختلفه جغرافيا و المتشابهة فكريا و فسلفيا داخل سياق المدينة، فالبيت مباح بشكل مستمر لانه معرض دائما لدخول شخصيات خارجة عن سياقه تتحكم به، والمخرج استعاض عن مصطلح البيت ب (ذا هوم) لان المصطلح الانجليزى اقرب الى الوطن أو الديار منه الى البيت.
التفسير السطحي و الساذج لهذا البيت هو بيت داخل سياق مدينة معينة تسكنها طائفة معينة يجتاحها الدواعش، فتتولد خلافات داخل البيت من جراء محاولة كل فرد من افراد العائلة المتكونة من الزوج و الزوجة و الام لكى ينجو بجلده من المصير المنتظر من خلال حصوله على طاقية الاخفاء التى قد تمكنه من الاختفاء و النجاة و بالمقابل ترك اخرين لكى يواجهوا مصيرهم المحتوم، فالزوج المحكوم بقطع الرقبة يرى نفسه اولى بالطاقية لان حياتة في خطر، فيما نرى ان السيدتين ستواجهان الاغتصاب و البيع في سوق النخاسه اذا لم يحصلن على الطاقية، و يبدأ الصراع بين الشخصيات على أحقية اي من هذه الشخصيات بالحصول على الطاقية.
لكن بالرجوع الى تاريخ كتابة النص سنة 2015 عندما كان الدواعش يجتاحون مدن العراق الواحده تلو الاخرى و يحكمها، وكان هناك غضب عارم تجاه اداء الجيش و الحكومة في مواجهة هذا الخطر، فان التأويل الاصح و الاعمق و الأشمل هو أن البيت مثل الوطن و الشخصيات تمثل شرائح و فئات معينة داخل سياق هذا الوطن، فالابن هو الجيش الذى اراد ان ينجو بنفسه دون تقديم اي تضحيات و مقاومة، والزوجة هي الحكومة المتخاذلة المنهارة التى بدأت تفكر في نفسها دون غيرها لكى تستمر و لاتنهار، فيما مثلت شخصية الام، الشعب الذى لم يجد غير باب الحوائج و الدين لكى تتوسل بها دون اية نتيجة مرجوه، و الطاقية هي التاريخ و الماضى المشرق الذى قد لايجدى نفعا اذا لم يتواصل بالحاضر من خلال التضحيه و المقاومة و الايمان بالنفس و الوطن، فالعيش داخل اوهام الماضى و التاريخ المجيد قد تكون وبالا على الشعب الذى لايقدم في الحاضر و المستقبل ما يشفع له ان يكون صاحب هذا التاريخ، أو حتى لها تأويلات اخرى قد تكون القوة الغيبيه أو الكيانات الخارجية و الاقليميه، أو أو أو…
بدأ العرض بشكل غير تقليدى و بعيدا عن الواقعيه من خلال رسم شكل السينوغرافيا و حركة الممثلين و منظومة الاداء، خاصة المؤثرات الصوتية و البصرية التى أغنت العرض و مهدت امامه سبل التأويل المغاير و المختلف للثيمة السطحية التقليدية، لكن مع دخول شخصية الام (هناء محمد)، حاول المخرج متعمدا أن يسحب العرض الى مساحات اكثر تقليدية و واقعية من خلال المباشره و اللعب على وتر العواطف و الاصالة و الوطنيه، فبدأ بألقاء القصائد و الحوارات الساخنه التى قد تثير الجمهور العوام في العرض، و حاولت هناء محمد من خلال قدراتها الادائية الهائلة في هذا المجال ان تلعب على عواطف الجمهور و تسحبهم من المساحة التأويلية للعرض الى مساحات اخرى لاتحتمل التأويل و المغايرة، عكس ما قدمة الممثل الرائع (محمد هاشم) في اداء شخصية الزوج من خلال اداء جروتيسكى مغاير عبرت عن تلك الاحاسيس المعقدة و المضادة من خلال رجل محكوم بقطع الرقبة و هو يريد ان يتجنبها عن طريق التضحية بشرف زوجته و امه، فكان حضور محمد هاشم في اداء هذه الشخصية حضورا فاعلا و محوريا في رسم ثيمة العرض من خلال منظومة الاداء المغايرة، فملأ المسرح بتواجده الجسدى و الحسي و حضوره الذهني المميز، فكان كتله جسدية منتجه و مبتكره استخدم كل المؤثرات الصوتية و البصرية و الايقاعية في خدمة تجسيد شخصية الزوج المهدد بقطع الرقبة من خلال اداء غرائبي غير مألوف ينسجم مع الحالة النفسية و الذهنية للشخصية، فتفوق على الكل و مسك بزمام الامور داخل سياق العرض، فأصبح النسق الابرز في تشكيل الصورة الجسدية للعرض، لولا ان نافسه المخرج عن طريق سحب العرض من منظومته الشكليه الغير المألوفه، الى المساحات الشعبيه المباشره من خلال شخصية الام و شخصية الزوجة احيانا.
فنان اخر ظهر على هذا المنوال و حاول أن يلعب في المساحة الغير المألوفه للعرض و نجح فيها بأمتياز كبير و هو الرائع (مظفر الطيب) الذى أدى مجموعة من الشخصيات المسرحية بأتقان عالى و من خلال اللعب الحر على المساحه المتوفرة له، أما الفنانة (بيداء عبدالرحمن- الزوجة)، فكانت هناك تباين واضح في ادائها المنقسم بين الشعبية و الاداء الحر المنسجم مع ثيمة المسرحية، فشكلت ثنائيا رائعا مع محمد هاشم و قدمت اداءا غير تقليديا في اغلب المشاهد الاولية للعرض، الا انها تأثرت في النهاية بأداء الفنانة هناء محمد في مشاهدها فأنسحبت من المناطق الادائية الغير المألوفة الموازية لثيمة سينوغرافيا العرض الى المساحات التقليدية و الوقوع في المحظور، فكانت اداءها اداءا داخليا نفسيا مليئا بالعواطف و الاحاسيس الجياشه، على عكس من اداء محمد هاشم الذى امتلك زمام المبادرة في لعب الشخصية كما يريد و يشتهى و أمسك بمكامن قوتها و ضعفها، فرأينا أداء الممثل هو الطاغى على الشخصية من خلال مهارة محمد هاشم في العمل داخل المنظومة الادائية المعقدة للشخصية و الذى اداه على اكمل الوجة فكان بحق أحسن ممثل في المهرجان.
على الرغم من التباين الشكلى الذى وقع فيه العرض من خلال العمل على منظومتين متضادتين داخل سياق العرض، منظومة مبتكره و غير تقليدية و تعمل على الغرائبيه من خلال الصورة و الحركة و المؤثرات الصوتية الايقاعية و حركة السينوغرافيا، يقابلها منظومة شعبية و جماهيرية تساير خطاب العوام و تبحث عن الرضا الانى و تجيش العواطف بالوطنيات و الشعارات المباشرة البعيده عن روح عملية التمسرح و الابتكار، و كذلك الخلل الواضح في المنظومة الادائية المتفاوتة من خلال رسم ثيمة الاداء المختلفه و المتقاطعة لكل شخصية، الا ان هناك مناطق مضيئة داخل سياق العمل منها استخدام ثيمة التمسرح و التمثيل داخل التمثيل الذى ابدع فيها الممثلون و كذلك فضح العملية الديمقراطية الكاذبة من خلال التحالفات و المصالح المؤقتة من خلال التصويت على الطاقية، كذلك الانتظار العبثي للمخلص من خلال مشهد باب الحوائج و الادعية التى لم تجدى نفعا، والاهم ما في المسرحية هو المشهد الاخير الذى قلب فيه المخرج المساحة السلبية للشخصيات الى مساحات ايجابية من خلال المواجهة و عدم الاستسلام للواقع، ففقدوا بيتهم لصالح الشيطان و لكنهم فازوا بأنفسهم و لم يخسروها كما كان متوقعا لهم.
مسرحية (ذا هوم) تأليف على عبد النبي الزيدى و اخراج غانم حميد و اداء كل من (محمد هاشم و هناء محمد و بيداء عبدالرحمن و مظفر الطيب) قدم في سياق مهرجان العراق الوطني للمسرح على قاعة مسرح النجاح.

(Visited 140 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *