محطات في الذاكرة … (فرقة المسرح الفني الحديث)

محطات في الذاكرة … (فرقة المسرح الفني الحديث)

 

 

كافي لازم – كاتب وفنان عضو فرقة المسرح الفني الحديث

مسرحية (الإنسان الطيب) تأليف : برشت ، اعداد: فاروق محمد ،اخراج : د.عوني كرومي، انتاج ١٩٨٥

مسرح بريخت احدث تحولا كبيرا ونوعيا في تاريخ المسرح العالمي .على انه الاقرب للتحولات الكبرى العالمية واثرها على حياة هذا الكائن العظيم (الانسان) ولا اعتقد ان هناك شعبا لم يترجم مسرحياته او يعدها لتلامس الافكار المحلية لذلك الشعب مع الحفاظ على الاطار العام والشامل بطريقة العرض المبتكرة عند برشت بشكله ومضمونه … لابد لنا ان نذكر روادنا الاوائل الذين تأثروا بهذا المسرح ونقلوه لطلابهم نظريآ وعمليآ كالراحل الكبير ابراهيم جلال الذي درس المسرح في الولايات المتحدة على يد المؤلف الامريكي ايريك بنتلي الذي ترجم مسرحية برشت (السيد بونتلا وتابعه ماتي) اعدها الناقد صادق الصائغ والتي كانت لها صدى كبير على مستوى العراقي والعربي .. لا ننسى التجربة الرائدة للفنان الراحل يوسف العاني ومعايشته الشخصية لمسرح برشت (البرينر انسابل) في المانيا ولقائه المهم مع الفنانه الاولى في هذا المسرح (هيلينا فايغل .. زوجة برشت) وقد انعكس هذا في الكثير من مؤلفاته . وهناك تجارب كثيرة للمسرح البرشتي مارسها مخرجون عراقيون ولكن الابرز لدينا هو الراحل د.عوني كرومي الذي كان لديه الحلم (في تبني هذا النهج) في دراسته النظرية والعملية فقد حقق الكثير في هذا الاتجاه ،وتجمعت خيوط الحلم لترجمه واعداد هذا النص (الانسان الطيب) مع الكاتب الكبير فاروق محمد الذي اعد النص بمفردات شعبية راقية اعتبرها انا امتدادا للغات الشعبية الاخرى العالمية من ناحية الايقاع مع الحفاظ مخلصآ لفكر المؤلف وطريقة العرض . رسما الخطوط الاساسية للنص المسرحي واصبح جاهزآ واخيرآ نضجت الفكرة ان تقوم شركة بابل للأنتاج السينمائي والتلفزيوني والتي كان يرأسها المخرج القدير عمانؤيل رسام (ع.ن.ر) بالاتفاق مع الفرقتين العريقتين فرقة المسرح الفني الحديث وفرقة المسرح الشعبي وبما ان مسرح بغداد ومسرح ال٦٠ كرسي عاطلان في فترة الصيف فسيكون مكان التمارين والعرض في مسرح المنصور .
بدأنا التمارين في صيف عام ١٩٨٥ بهمة ونشاط واهم ما يميز هذه التوليفة الرائعة انها مختلطة بين الرواد يوسف العاني/خليل شوقي/جعفر السعدي/سامي عبد الحميد/ماجدة السعدي/عبد المرسل الزيدي/د.عقيل مهدي مع مجموعة من الشباب قسم منهم ما زالوا طلابآ كذلك الممثلة القديرة عواطف نعيم وكان الالتزام والانضباط ممتازآ كذلك ادائهم الفني والانسجام المتناغم بين الممثلين والمخرج مما نتج العديد من الافكار الفاعلة مع فكرة وفلسفة العرض وفي ادق التفاصيل مثلا عندما سُئل الفنان د.عقيل مهدي وقد مثل دور الشرطي لماذا تصر على لبس الملابس الزرقاء وهي غير مألوفة لدينا قال ان هذه الملابس هي الخط العام للشرطة وسيأتي يومآ نلبسها.

بعد شهور مضنية من التمرين واجهتنا مشكلة كبيرة وهي ان المؤسسة العامة للسينما والمسرح قد اعترضت على اشتراك الفنانة الكبيرة عواطف نعيم مع (انها بطلة العمل) كونها عضوة في الفرقة القومية التابعه للدولة وقد صدر امر بذلك بشكل شخصي من وزير الاعلام الاسبق لطيف نصيف جاسم بمنع اي ممثل او ممثلة بالاشتراك مع الفرق الاهلية.. حقيقة تألمنا كثيرا وتضامنا معها ولم تثمر محاولات الكثير من الفنانين الكبار ببقاءها والواقع كانت منتهى الانضباط وقد مسكت الشخصية بكل تفاصيلها لاسيما انها بطلة العمل وكل الاحداث تدور حولها لانها هي(الانسان الطيب) وهذا الدور بشكل خاص تتمناه كل فنانة لانه مكتوب بحرفية عالية ويظهر به المؤدي ابداعاته الفنية بأبهى صورة واجادت بذلك ولو استمرت في العمل لكان لها بصمة كبيرة في حياتها الفنية الا انه هذا قدرنا وانسحبت من العمل .

وبهذا دخل المخرج المتمرس عوني كرومي في ورطة صعبة خصوصا انه يعتبر الممثل جزءآ حاسما في العرض المسرحي مما دعاه ان يذهب الى بيت احدى طالباته الفنانة القديرة (اثمار عباس) وهي تتحدث عن تجربتها هذه بما يلي “كان لي الشرف في المشاركة في هذا العمل المهم ، حصلت على الدور دون ان اسعى اليه وانما اتى اليّ بالصدفة. كنت طالبة في اكاديمية الفنون قسم المسرح واحدى طالبات دكتور عوني كرومي ذات يوم جاء الى منزلي في حي الجامعة بمعية زميلتي خديجة منخي وقال لي انا واقع في مأزق لا استطيع ان اكمل مشروعي بعد ان انسحبت بطلة العمل وقد استمرت بالتدريب عدة شهور ولكن بغير موعد وبشكل مفاجئ انسحبت من العمل تحت ضغط دائرتها (الفرقة القومية للتمثيل) ركبنا السيارة وذهبنا الى مسرح المنصور حيث تجمع الفرقتين العريقتين في قاعة التمرين وعند وصولي الى مكان التدريب سلمني المخرج النص المسرحي ووقفت هناك في زاوية واذا بي ارى مجموعة رواد المسرح واساتذة واكاديميين يقفون امامي . في الحقيقة شعرت في بداية الامر بأرتباك شديد عندما رأيت كل هؤلاء المبدعين الكبار والجميع اتقن دوره وحفظه في شهور من التدريب تفاعلوا وتضامنوا معي على اكمل صورة .. طلب مني المخرج ان اقرأ النص ترددت وتعثرت وتلعثم لساني بدأت بالقراءة وانا احاول مسايرتهم وامواج عنيفة تتلاطم في داخلي لقد قمت بتمثيل دور شخصية الانسان الطيب علما انه دور مركب للغاية اذ ينبغي على الممثلة ان تقوم بتمثيل شخصيتين شخصية رجل وشخصية امرأة. لم اجد صعوبة في تجسيد شخصية المرأة لكن الصعوبة التي واجهتها هي شخصية الرجل مع اني استطعت ان اؤدي الدور بصورة جيدة .. ان هذه التجربة قد منحتني الدافع والقوة لفهم ذاتي والاخرين والعالم من حولي وقد كنت كأي شابة صغيرة تحاول البحث عن ذاتها”.

ان مسرحية الانسان الطيب هي تجربة مثيرة بأمتياز ليس على مستوى العاملين فيها بل حتى على مستوى الجمهور وبما اني كنت مديرا للمسرح كنت اتابع شؤون المسرح والقاعة كذلك وحتى ردود الفعل عندهم واسمع عبارات المديح والثناء حتى سمعت اكثر من رأي يقول (هكذا فهمنا وتعلمنا مسرح برشت) وهم جمهور في الغالب متوسطي الثقافة وقسم منهم من عامة الشعب

ثمة حادث اخر كاد ان يطيح بالعرض وهو حين كان الفنان الكبير الراحل يوسف العاني يؤدي دوره والذي يتطلب حركة سريعة ولولبية التوت احدى ساقيه وسقط على الارض مما تسبب له المآ كبيرآ لكنه استمر في العرض وهو يعاني من الم شديد وبما ان شخصيته (السقا) تتحمل حالة (العرج ) فبقى هكذا طيلة الايام اللاحقة اذ لا يمكن تغيير الممثل بسهولة ونحن في حالة عرض وليس تمرين كما حدث مع الفنانة عواطف نعيم .
قدم هذا العرض نخبة ممتازة من الشباب الواعدين والذين اصبح لهم دور فاعل في الحياة المسرحية كانوا اغلبهم من طلبة اكاديمية الفنون الجميلة كالفنانة اثمار عباس (بطلة المسرحية) والتي فازت بالجائزة الاولى كأفضل ممثلة في ذلك الموسم وهي الان في دولة السويد قدمت هناك عدة عروض واحدة منها تعتمد الرقص التعبيري والبانتومايم كذلك عملت مع المخرج الكبير د.جواد الاسدي في مسرحية مندلي في ابو ظبي وعملت فيلمآ قصيرآ تأليفآ واخراجآ حصلت على جائزة التحكيم وقد انغمست في الفكر والفلسفة والترجمة للغة العربية وهي الان بصدد تاليف كتاب عن الفلسفة سيصدر قريبا.
كذلك الفنانة انعام البطاط بدور (زوجة التاجر)فازت بأفضل دور ثانوي وهي الان تواصل نشاطها في المانيا ولها عروض في الموسيقى والغناء في هولندا وامريكا ولندن وعرض مسرحي في اللغة الالمانية.
اما الفنان القدير رائد محسن فقد مثل دور (الحكيم ٢ ) بين عملاقين هما خليل شوقي وجعفر السعدي وكان اداؤه بمستوى هؤلاء الكبار فهو غني عن التعريف وله بصمة واضحة في الحركة المسرحية العراقية وفاعل كبير لحد هذه اللحظة وقد حاز جوائز على المستوى المحلي والعربي في كثير من المهرجانات.

كذلك الممثل المغترب منير العبيدي في دور (الشاب)
والممثلة القديرة خولة شاكر
والممثلة المغتربة خديجة منخي في هولندا
والفنان فالح حسن شمخي في استراليا
كذلك نهلة السعدي.

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *