” مظفريات ” لغة البسطاء

” مظفريات ” لغة البسطاء

محمد السيد محسن – كاتب عراقي

 

يعتبر تضمين الالفاظ الدارجة ضمن القصيدة الفصحى من الطرق الشعرية غير المحدثة , حيث كانت العرب سابقا تدعوه ب “اللحن” , او التضمين الواضح كما اشتهر به ابو نؤاس .
وفي المثال الاول يعتبر ابو فراس الحمداني اول من ألحن في قصيدته بسبب الضرورة الشعرية في بيت :
ايا جارتا ما أنصف الدهر بيننا
تعالي اقاسمك الهموم تعالي
—-
حيث فرضت القافية على ابي فراس الحمداني ان يلحن في “تعالي” الثانية بسبب موضعها كقافية , فكسر اللام ولم يفتحها كما هو مفروض في الفعل اذا اقترن ب”ياء” النداء.
وفي مثالها الثاني كانت تضمينات ابو نؤاس لكلمات من اللغة الفارسية لبعض قصائده ما سمي وقتذاك التلميع.
في القصيدة العربية الحديثة وجدت ان سعدي يوسف سبق في استخدام اللهجة العراقية الدارجة وضمنها قصائده , وكان ذلك واضحا في قصيدته “اغتيال محمد بن عبد الحسين ” والتي كتبها عام 1952 حيث بدأت القصيدة ب :
14 ذئبا بقتلك يفخرون
وعلى أزقة قريتي يتقدمون
بملابسٍ مخضرّة شوهاء
وبنادقٍ سوداء
كانوا بقتلك يحلمون
بالليل والعجلات في نار الكمين
—-
لا يستقيم الوزن الشعري في هذا المقطع الا بقراءة الرقم 14 باللهجة العرلقية الدارجة “اربعطعش” كي يستقيم وزن البحر الكامل , واعتقد ان سعدي سبق مظفر النواب في استخدام اللهجة الدارجة وتضمينها ضمن قصائده لان النواب لم يكتب القصيدة الفصحى الا في فترة متاخرة من زمن ابداعه الشعري , حيث بدأ بكتابة القصائد باللهجة الدارجة , وفي عام 1969 كتب قصيدته “وتريات ليلية” والتي فتحت له بابا للتواصل مع القصيدة الفصحى , بعد خروجه من العراق الى سوريا , وبدأت رحلة تجواله بين العواصم يصدح بقصائده الفصحى .
في قصيدة “اوهام ديك الصباح ” يقول مظفر النواب :
من فم الابريق اسقيك الرضى
إن خدرت كفاك
أن تحمل كاسك
فاذا ما لعثمت كفي الحميا
خذ كما الإبريق ثديا وتماسك
ربما دارت بك الدنيا
فلم تعرف من الثورة والنشوة راسك
مدت الخمرة جر الكأس في عمقك
“ولك” مالضير اذا مست أساسك؟
—–
استخدام لفظ “ولك” هو استعارة من اللهجة العراقية الدارجة ولكنه بفائدتين: الاولى انه ومن خلال وجوده في هذا المكان بالجملة يستقيم من خلاله الوزن الشعري, واما الثانية فهو لاستمرار العتب في ذات المقطع .
وفي نفس القصيدة يستخدم مظفر النواب دلالة من اللهجة الدارجة وليس من اللغة الفصحى .
حانة الروح اذا غادرتها تقتل
أو ينزع شرطي لباسك.
—–
المعروف ان “اللباس” في اللغة العربية هو مجموعة الملابس الخارجية التي تغطي جسم الشخص سواء كان رجلا او امرأة , بيد انه في اللهجة العراقية الدارجة يعني قطعة الملابس الداخلية التي تستر عورة الرجل او المرأة وهي الملاصقة للاعضاء التناسلية حصرا.
وهذا ايضا يعد تضمينا في الدلالة لينسحب على المعنى.
وفي قصيدة “ايها القبطان” وفي معرض تناوله لموضوع مصر واستشهاد بطلها سليمن خاطر , يقول :
رافعا فردة بسطالي كالهاتف كي اشتمهم
يا خوات ال…
قطع الخط ولم اكمل مراسيم احترامي
ربما بالفردة الاخرى ارادوا الاحتراما
—-
في هذا المقطع ايضا تم تضمين مصطلح شتيمة يستخدم باللهجة الدارجة وليس باللغة الفصحى , والفارق بينهما حرف “الالف” الذي يفترض ان يبدا به “أخوات” وهو من الاسماء الخمسة والتي تبدأ عادة ب حرف “الألف” , ولكنها في اللهجة العراقية تم تلحينها واستخدامها مجردة من حرف الالف فاصبحت “خوات” .
الامثلة في قصائد مظفر كثيرة من هذا النواع من التضمين , واعتقد ان مظفر النواب استخدمها لثلاثة اسباب :
الاول : ان علاقة النواب مع اللهجة الدارجة كبير , فهو منذ وجوده في هور “الغموكة” حين كان مقاتلا ضمن كتائب الكفاح المسلح الشيوعية التي امنت بالعنف وسيلة لتغيير النظام السياسي , وما اكتشفه النواب من الفاظ جنوبية “هورية” ضمنها قصائده , وما اكتشفه ايضا من الفاظ دارجة في بلاد الشام , ايضا تأثر بها وحاول احياءها من خلال تضمينها قصائده .
والثاني : ان الحالة الثورية التي تعيشها قصائده تجعل منه ان يكون احد المستمعين البسطاء الذين يتفاعلون بلا شك مع الفاظ كهذه , وبدى ذلك جليا في قصائده المسجلة وتفاعل الجمهور مع الالفاظ الدارجة.
الثالث : سعي النواب دائما البحث عن التميز في قصيدته واجوائه الشعرية , وكانت هذه احدى الوسائل الناجحة في اعطائه سمة خاصة به , حيث يكتب القصيدة الشعرية باللغة الفصحى , ويسمح لنفسه ان يرصف بعض سمات اللغة الوسطى كي يستقيم المعنى او يكتمل القصد.

(Visited 3 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *