عبد السادة البصري
كلما سمعتها أخذتني الذاكرة حيث الطفولة والصبا والبراءة والوداعة ،،حيث الشط والأنهار التي تتألق جمالاً وروعة بمياهها العذبة التي تعطيك بهاءً، وجمالاً ، وتمنحك رونقا وبهجة وهي تجري بين أفياء أشجار الفواكه ،، و ( تلبط ) أسماكها بين الحين والآخر،، وكيف كنا نسبح أيام القيظ لنهرب من الحرّ بين مويجاتها ،، ونغترف بأيدينا الماء منها عذباً زلالا حين نظمأ ،، نعم كانت أنهار البصرة يضرب ببهائها المثل وبخضرة وزينة ضفافها أيضا،،كتب عنها الرحالة الأقدمون ومن زارها متأخراً حتى سبعينيات القرن الماضي ،، مياه رقراقة عذبة تُسر الزائرين وأهل المدينة الطائفين والعابرين حولها ،،انهار تخترق المدينة من كل مكان ، تمخرها الزوارق و (المهيلات) والمشاحيف و( الأبلام ) ، بين البيوتات ،، وتحت القناطر والجسور الخشبية تمرق صافية عذبة تتلألأ مويجاتها بأشعة الشمس نهاراً وتداعب ضوء القمر ليلاً حتى وُصفت بــ ( فينيسيا الشرق )أسوة بفينيسيا الغرب ( البندقية )، لقد كانت البصرة مدينة الأنهار والجمال والطبيعة الخلّابة، شوارعها نظيفة وأرصفتها خضراء مفعمة بالورد والحشائش،أزقتها تفوح منها رائحة ملكة الليل والياسمين ليلاً،،لكنها اليوم..وآه منها اليوم ،، تبكي ذلك الماضي الجميل وتتمنى أن تعود إليه ،، أتساءل :ـــ هل يمكن أن يتمنى المرء العودة للماضي ؟؟!! و لماذا ؟؟!! الجواب :ـــ نعم لأن الحاضر سيء !!
والأسوأ منه حين نظل مصرّين عليه ونزيده سوءاً وخرابا .
علينا جميعا أن ننظر ببصيرة ثاقبة إلى حاضرنا ونقارنه بالماضي الذي كان جميلاً،، وما هي إلا نخوةُ غيرة ٍ لهذه المدينة حتى نجعلها أجمل مما كانت عليه سابقاً،،البصرة في ثمانينيات القرن الماضي تحملت عبء حربٍ لا معنى لها ،، فقط خسارة أرواح ودمار وخراب وتحملت عبئاً اكبر عام 1991 ، ثم تحملت أكبر وأكبر عام 2003 وما بعدها.
هذا الخراب الذي استمر سنوات وسنوات لابدّ أن تُعتِم ستائره وظلاله نهارات البصرة وتشيع البؤس والخراب والدمار والأوساخ في شوارعها وأزقتها وتتحول مياه أنهارها من رقراقة صافية عذبة الى آسنة تحمل مخلفات المجاري والمعامل والمستشفيات وغيرها ما أشاع الأوبئة والأمراض التي ما انفكت تفتك بأهلها ، ويمتدّ اللسان الملحي من مياه الخليج ليقتل الزرع والضرع والطيور ، وإذا سأل أحدهم :ــ كيف نعيد جمالها ؟!
نقول :ــ بوقفة صدقٍ وانتماءٍ حقيقي لهذه المدينة، وبتثقيف الناس حول جماليتها وتراثها وتجهيز مناطقها وأحيائها وشوارعها بشبكات مجاري حديثة يمكن استعمال مياهها في صناعات تخدم الصالح العام ، لا أن تصبّ في شط العرب، وأن نمتلك الضمير الحي النابض بمحبتها و محبة أهلها حينما نشرع بالعمل وتحسين الخدمات والكهرباء وتوظيف العاطلين !!.
إذا تذكرنا يوما إن البصرة أمّنا الثانية التي تحنو علينا وإنها الجذر والحضن الذي نعود إليه كلما اشتد بنا الحنين ممكن أن نعيد صفاءها وبهجتها وضحكة أبنائها وتسود السعادة والمحبة قلوب الجميع ،، ونعود نغنّي ( يابو بلم ..يابو بلم عشاري،، الشوك هزني بو بلم ،،ضيع علي أفكاري ).