صادق عبد الهادي – كاتب عراقي
المتابع لكنعان مكية وتحركاته يكتشف أنه ليس مجرد كاتب ومثقف وسياسي، بل مشروعاً وتوجهاً أكبر من أن يقوده شخص واحد مهما بلغ من الذكاء والاجتهاد. ربما كان كتابه الأول «جمهوریة الخوف» الذي نشره بإسم مستعار «سمیر الخليل» في نهاية الثمانينيات، كان نتيجة مجهوده الشخصي، أما بقية مؤلفاته فقد ساعدته إجهزة مخابرات ومؤسسات مدعومة من أمريكا بالحصول على وثائق ومتابعتها وتحليلها، ليخرج لنا بكتابه الثاني «القسوة والصمت» والذي أدان فيه نظام البعث ومماراساته بوثائق حصل عليها بعد حرب الخليج الثانية. خاض أيضاً معركة ثقافية مع المثقفين العرب الذين صمتوا عن عدوان صدام حسین على الكويت أو برروا ذلك الاعتداء، وخاض أيضاً حرباً عام ٢٠٠٢ مع من كان رافضاً للغزو الأمريكي للعراق من المثقفين العرب خصوصاً مع المفكر الأمريكي/الفلسطيني أدوارد سعيد. نجح مكية بالترويج لكتابه«القسوة والصمت» في أمريكا والغرب. وأذا كان أحمد الجلبي يتحرك بالاضواء بالتنسيق مع البنتاغون لإصدار قانون تحرير العراق والذي نجح في إصداره عام ١٩٩٨، فإن مكية كان يتحرك خلف الكواليس لكسب تأييد المثقفين الغربيين والعرب والترويج لفكرة إن الحرب هي الحل الوحيد لازاحة صدام حسين من السلطة وقد نجح في ذلك إيما نجاح من خلال المؤتمرات والندوات والمقالات والدراسات التي ينشرها. يمكن اعتبار الجلبي ومکیة عرابي الغزو الأمريكي للعراق. عاد مكية خلال حرب ٢٠٠٣ إلى العراق وصرح تصريحه المثير للجدل بإن الصواريخ التي تسقط على بغداد إجمل موسيقى سمعها في حياته. وإذا كان الجلبي تقاطع مع الأمريكان بعد دخولهم العراق فإن مكية بقي على علاقته الوثيقة بهم. حصل مكية على ملايين الوثائق التابعة للدولة العراقية ونجح بمساعدة الأمريكان في نقلها إلى أمريكا لصالح مؤسسته «مؤسسة الذاكرة العراقية» التي أسسها بمساعدة الأمريكان، وكان مصطفى الكاظمي [رئيس الوزراء الحالي] يعمل مساعداً له في تلك المؤسسة. كان كتاب مكية «الفتنة» الذي أصدره باللغة الإنجليزية تحت عنوان «The Rope» وترجم إلى اللغة العربية عام ٢٠١٥، كان هذا الكتاب أشبه بإنقلاب ناعم على الطبقة السياسية وتمهيداً لعلاقة جديدة ومختلفة بينها وبين أمريكا، الطبقة السياسية الشيعة على وجه التحديد التي وصفها مكية في الكتاب بـ«عصابة الثلاثة عشر» في إشارة إلى عدد الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم الذي أسسه الحاكم المدني الأمريكي في العراق آنذاك «بول بريمر». لا يمكن اعتبار الإعتذار الذي قدمه مكية عن دعمه للطبقة السياسية في كتابه «الفتنة» أعتذار شخصي ولو كان كذلك لاعتذر مكية عن دعمه لمشروع الحرب من الأساس، لكنه اعتذار أمريكا عن دعمها لهؤلاء السياسيين لذلك فهي انقلبت عليهم منذ ٤ سنوات وقد بدى ذلك واضحاً في انتخابات ٢٠١٨ وتظاهرات تشرين الأخيرة وكذلك تغيير الخطاب الأمريكي تجاه العراق والمتمثل بقناة «الحرة» الأمريكية. کان کتاب «القسوة والصمت» بمثابة إعلان حرب على نظام البعث وصدام حسين لكن هذه الحرب وقعت بعد ١٢ عاماً وبعد حصار جائر فرض على العراق وكتاب «الفتنة» هو إنقلاب إمریكي وعلاقة جديدة مع الطبقة السياسية التي تحكم الآن، فكم تحتاج من الوقت لتكون قطيعة أبدية وتعلن إمريكا معاداتها للنظام السياسي في العراق أو تنتج «سيسي» عراقي مثلما صرح أحد السياسيين العراقيين قبل فترة؟. واضح أن أمريكا توصلت إلى قناعة أن هذه الطبقة السياسية مهما كانت قريبة منها إلا أن تواجدها على رأس السلطة في العراق يصب في خدمة إيران، ويعمل النظام السياسي الحالي في العراق كرئة أضافية تساعد إيران على التنفس في ظل الحصار الإقتصادي المفروض عليها، لذلك تسعى أمريكا للأنقلاب على النظام السياسي القائم في العراق الذي أسسته بنفسها وقد حاولت أستثمار تظاهرات تشرين/أكتوبر لصالحها لكنها لم تنجح لأن التظاهرات كانت شعبية وبدون رأس يمكن توجيهه، وقد كتب مكية نفسه مقالات عن التظاهرات لصالح وكالة «ناس» التابعة لرئيس الجمهورية برهم صالح. كما قامت أمريكا منذ سنوات بحملات «تلميع» وترویج إعلامي لضباط مثل طالب شغاتي وعبد الوهاب الساعدي ربما لتهيئتهم لدور سياسي مستقبلي، وكل هذا تفعله أمريكا لأن نظرتها للنظام السياسي في العراق تغيرت مثلما ألمح مكية إلى ذلك في كتابه «الفتنة».