المرحلة .. وغياب أيقونة الفن

المرحلة .. وغياب أيقونة الفن

صائب غازي

كلما دخلت ملعب يخوض العراق فيه مباراة لكرة القدم في الخارج كنت أنتبه الى أن الجمهور يردد أغنية منصورة يا بغداد وأغنيات أخرى من حقبة الثمانينات والتسعينات ، وعندما خرج الشباب في التظاهرات تضامن معهم العراقيون المقيمون في الخارج وسمعتهم يرددون الشمس شمسي والعراق عراقي الى جانب عدد من الاغنيات الأخرى من فترة التسعينات أيضا وهذا لا بأس به فهي أغنيات وطنية بقيت عالقة في أذهان الجمهور ولكن كان يجول في خاطري تساؤل وهو كيف يمكن لهذا العدد من الشباب الصغار في السن أن يحفظوا أغنيات تعود لفترة إما كانوا فيها اطفالا أو لم يولدوا بعد !! ولماذا لا يرددون الأناشيد والأغنيات الحماسية أو الوطنية الحديثة هل لأنها لا تعلق بذاكرتهم أم انهم كارهون وناقمون على المرحلة ؟ بكل تأكيد انهم حفظوا أغنيات المرحلة السابقة لأنها بقيت حية متواجدة في بيوتهم أو تصدح بها مناسباتهم أو تتواتر على صفحات التواصل الاجتماعي لديهم ومنها تطبيقات المحادثات وتبادل المعلومات والفيديوهات والاغنيات التي ترتبط بذاكرة الجيل السابق وتترسخ عند الجيل الحالي فحفظوها عن ظهر قلب وهناك أسباب أخرى منها سياسية لا مجال لتناولها هنا ، ولكن المؤكد أن السبب الرئيس الذي ساعد على ذلك هو أن المرحلة الحالية وعلى مدى 18 عاما لم تتمكن من إنتاج أيقونات ورموز ثقافية وفنية متميزة فلم تتمكن المرحلة من إنتاج أغنيات وطنية حماسية متميزة تستطيع أن تحل محل المنتج السابق أو على الأقل تنافسه أو تحفز السواد الأعظم من الجمهور على تداولها وازاحة ما يحفظ من ذاكرته أو على الأقل يركنها جانبا ويتفاعل مع المنتج الجديد ، لم تتمكن المرحلة من خلق رموز فنية عملاقة مثلا جداريات من الخزف أو الرسم أو النحت تكون معبرة وراقية تحاكي قصة عراقية حديثة يمكن تسويقها الى الداخل العراقي ، فهل ظهر بعد نصب الشهيد أو الجندي المجهول عمل جديد بالمستوى التعبيري والرمزي لكل منهما ؟ اعتقد أن ماظهر كان محبطا للغاية فقد رأينا الشوارع والساحات تعج بأعمال نحتية رديئة اصبحت مثارا للتندر والسخرية وكأن هناك تقصد في افساد الذوق العام للمجتمع وافشال رسالة الفن العراقي ، لم يفكر رواد المرحلة الحالية المتعثرة في كل شئ من اتخاذ خطوة واحدة نحو صناعة شخصيات كارتونية أو دمى للأطفال تنشأ بينهم يكبرون معها ويصغون اليها كما في افتح يا سمسم التي تربت اجيالا كاملة عليها ، لم تقدم برامج ومسلسلات وقصص درامية توثق الجانب الإيجابي من المرحلة وتسهم في تثقيف المجتمع نحو الديمقراطية على سبيل المثال وليس الحصر فلعل أهم مافي مرحلة مابعد عام 2003 هي الديمقراطية أو حرية الرأي المفرطة وقد يختلف معي بعض القراء بهذه النقطة التي يراها كل شخص من زاويته لكن لا يمكن ان نقفز خارج سياق مبدأ (مساوئ الديمقراطية خير من محاسن الديكتاتورية) فالديمقراطية العراقية بكل مافيها من مساوئ يبقى هناك أمل في اصلاحها أما مع الديكتاتورية فلا أمل بالتخلص من العبودية ، المرحلة أيضا لم تتمكن من صناعة نجوم يكونوا بمثابة حاملي الرسالة العراقية بكل قيمها الفنية وإرثها الثقافي التي تستمدها من عمق حضارة العراق بتاريخه القديم وحتما لن تكون أغنية صمون عشرة بالف هي المعبرة عن تلك الحضارة العظيمة و البلد العريق ، تكاسلت المرحلة أيضا في توظيف الفن السابع (السينما) في انتاج أفلام سينمائية مهمة معاصرة توثق مراحل العراق باسلوب وثائقي أو روائي وعرضها في صالات سينما الداخل والخارج وليس مهما أن تثير تلك الأفلام نقاشا سلبا كان أو ايجابا فالمهم أن تثير نقاشا وجدلا يضعها بالواجهة ، كذلك لم نرى أثرا لمسرح عراقي حتى لو كان تجاريا كما يطلق عليه مثلما كان يستقطب الجمهور الذي يقف بطابور طويل لحضور مسرحية كوميدية أو يحجز التذاكر مسبقا قبل شهرين أو ثلاثة من العرض كما في مسرحية بيت وخمس بيبان التي استمر عرضها لأكثر من خمس سنوات ولا تزال عالقة في اذهاننا ويتداول مقاطعها الجميع هنا وهناك ، المرحلة لم تسعى أيضا الى تقديم نموذج أدبي أو شعري يتغنى فيه الناس ويردده بشغف أو يتداول أسم قائله بكثافة واذا برز بعض الفنانين في هذه المرحلة فإما أنه حصل على الفرصة والدعم خارج البلد أو بمجرد أن لمع نجمه في الداخل فسرعان ما يغادر البلد الذي لا يقدم أسباب بقاء وتمسك الفنانين فيه فهو بيئة طاردة للإبداع الى حد ما ، إذن مالذي يحدث ولماذا تجاهل المعنيين في مجال الثقافة والفنون لهذا الأمر الخطير الذي يتسبب في تنشئة جيل هامشي مشتت وربما جاهل لا يعرف شئ عن العراق لا يواكب التطور وحركة التجديد الثقافي والفكري والفني العالمي لاترسخ في ذهنه ولا تعلق في ذاكرته أغنية أو قصيدة أو عمل نحتي أو صورة يحبها ويتفاعل معها ، لابد من مراجعة كل اسباب ومتطلبات خلق نتاجات فنية و ثقافية والاستعانة بفنانين ومستشارين حقيقين يمكن لهم أن يضعوا خريطة طريق في خلق نماذج فنية وثقافية ابداعية مهمة تمتزج مع عقل وروح الشباب تقربه من الشعور بفخر الانتماء للعراق وهو أمر بكل أبعاده لو تعلمون عظيم

(Visited 12 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *