عبدالسادة البصري
(( من ذاكرة الناس وذاكرتي ……))
عندما كنتُ صغيراً كنتُ أقف مندهشا امام صورة بين طائري طاووس تزيّن زجاج ابواب (مِحْمَل) زوجة ابي ــ المحمل يشبه المكتبة الصغيرة لكنّه يضمّ بداخله (الصحون والكؤوس وكل الزجاجيات التي يحتاجها المطبخ) ــ كذلك كانت بعض الصحون تحمل نقشاً بداخلها لصورة ما ، كان ذلك في سيتينيات القرن الماضي وسبعينياته،احدّق في الصورة كثيرا…لم يُخبرني في البداية ايٌّ من اهلي هذه الصورة لِمَن… الطاووسان يقفان على غصنين متقابلين والصورة التي بينهما قدمُسح وجهها بالصبغ لأنّ المِحمل موضوع في الغرفة ومعروض للناظرين،امّا الصحون فالصورة فيها على حالها (رجلٌ بزيّ عسكري وعينين متقدتين تنظران الى الافق)..ذات مرة سألت امي ::لمن هذه الصورة؟؟!! اطرقت قليلا وقالت لاتسأل ثانية ،اخذني الفضول الى ابي فسألته وألححت كثيرا …اجابني :: يابني انها لرجل احبّه الفقراء لأنه كان منهم واليهم،غيّرَ تاريخ العراق من الحكم الملكي الأقطاعي الى الجمهوري ،اصدر قوانين خدمت الشعب ومايزال الشعب يتنعم بها،لم يمتلك بيتا ولامالا ولاعقارات او ارصدة في البنوك العالمية،بنى بيوتا ،بل احياءً للفقراء المعوزين ومنح الفلاحين حقوقهم المغدورة ووووووووووووووو…..الخ..تحدّث ابي كثيرا وخلال حديثه كنت ارى دمعتين تتلألآن على خديه..قلت له :: اين هو الآن ولماذا صورته التي في واجهة (المِحمل) مصبوغة ؟؟!!..قال يابني قتله الذين لايخافون الله ،ولايريدون لهذا الشعب والبلد خيرا ،كانت امي تُصغي لحديثنا فاعترضت حديث ابي قائلة::انه لم يُقتل ،بل ذهب الى مكان ما والناس تقول في القمر ساكناً ويرون صورته كلما صار القمر بدراً،وقد صبغنا الصورة لأن الظالمين يقتلون ويعتقلون كل من يحتفظ بها في بيته….مرّت الايام والسنون وظلّت الصورة وصاحبها تسكن قلبي كما كانت في قلب ابي وامي وزوجة ابي والاخرين ،بل وتسكن القمر….انه الزعيم الشهيد والعراقي الاصيل عبدالكريم قاسم ……من يُحبّ الناس ويخلص لهم سيبقى خالدا مهما تبدّلت الظروف واشتبكت المحن ودارت السنون…الشهيد عبدالكريم قاسم لم يكن رئيسا لوزراء العراق ،بل كان خادما وبانيا وابا عطوفا ورحيما بنى البيوت للفقراء وسنّ القوانين التي تخدم الناس جميعا،لهذا ظل وسيظل خالدا في ضمائرهم وعقولهم وحواسّهم……اتمنى ان يعي درسه الاخرون ويأخذوا من شِيَمه الشيء القليل……لك الرحمة والخلود ايها العراقي النبيل،وما احوجنا اليوم الى امثالك ؟؟؟؟؟!!