*فارس حرّام
باختصار:
– المقاطعة الخطأ: مقاطعة شبيهة بالعام ٢٠١٨، أي الاكتفاء بعدم الذهاب لصناديق الاقتراع والجلوس بالبيت وعمل حملة فيسبوك فقط ومنشور هنا أو هناك…. هذه ربما كانت مقاطعة صحيحة آنذاك، لكنها في ظروف تشرين الحالية ستكون مدمرة لكل التضحيات والتعب في الثورة، وستكون عبارة عن تسليم بارد للسلطة بأيدي القوى الحالية.
– المقاطعة الصح: مقاطعة من نوع آخر تصدر عن موقف موحد لقوى الثورة وتوقع بأسماء أحزابها والفاعلين المستقلين فيها وأبرز قادة الخيام والتنسيقيات في الساحات وتنضم إليها قوى التغيير الأخرى وشخصيات المجتمع والأدباء والفنانين والأكاديميّين والرياضيين والإعلاميين ونجوم السوشيال ميديا وغيرهم…تتبعها خطوات احتجاجية لاحقة. هذه هي المقاطعة الصحيحة، وهذه هي التي تعرض النظام السياسي فعلاً للمساءلة والمواجهة وتفرغ فوز الفائزين من محتوى فوزهم.
– المقاطعة الأولى (في ظروفنا الحالية) سلبية مستسلمة. أما المقاطعة الثانية فمنتجة، لأنها لن تكتفي بعدم التصويت وإنما ستواجه السلطة وتتحدى النظام، وتعرقل كل خطط السيطرة من جديد على الدولة، وستكون غصة في حلق النظام السياسي، وتهزّ شرعيته داخلياً وخارجياً هزة عنيفة لم يتعرض لها منذ ٢٠٠٣، بل ربما تنهي هذه الشرعية. إضافة إلى أنها ستكون من الناحية الفعلية أكبر تهديد بعودة موجة احتجاجية أكبر وأضخم من كل الموجات السابقة، وربما تقلع الأخضر واليابس. ولذلك سيكون أمام قوى السلطة في حال حدوث مثل هذا النوع من المقاطعة أن تعيد حساباتها وتخضع لمنطق التغيير وتقيم انتخابات حقيقية تبدأ من كشف القتلة وحماية المرشحين وضمان فرص متساوية للتنافس، وإلا كانت خسارتهم مع هذه المقاطعة أكبر وأخطر.
– الكلام عن إن المقاطعة ستهدي السلطة على طبق من ذهب للقوى الحالية لا معنى له مع الاحترام لمن يقول به، لأن هذه القوى لن تخدمها المشاركة الواسعة لقوى التغيير في الانتخابات (وهذه لا يمكن تحقيقها الآن لعزوف جزء كبير من المجتمع عن الانتخابات)، وكذلك لن تخدمها المقاطعة المنتجة من النوع الذي نتحدث عنه لأنها ستعريهم وتفرغ فوزهم بالانتخابات من محتواه، ولهذا لن يبقى أمام هذه القوى إلا أن تشجّع المشاركة الضعيفة. فتشرين الضعيفة انتخابياً تحت تهديد السلاح والقتل والتهجير أفضل لهم من تشرين المقاطِعة أو تشرين المشاركة بشكل واسع. فمسألة أنّ المقاطعة ستعطي السلطة على طبق من ذهب لهذه القوى ينبغي لنا ترك الحديث عنها. بالعكس: المشاركة الضعيفة هي التي ستعطي السلطة لهم على طبق من ذهب، لأنها ستعطيهم شرعية يحتاجونها داخلياً وخارجياً مقابل وجود ضعيف وهامشي لقوى التغيير.
– توقعاتي: أنّ من نتائج المقاطعة من النوع الثاني أنها ستحرج قوى سياسية موجودة الآن في السلطة، مثل الحكمة والنصر والعراقية وغيرها لأنها أعلنت مراراً منذ سنتين أنها مع الثورة، والآن إذا رفضت تشرين الدخول في هذه اللعبة فمن المتوقع أنهم لن يدخلوها لأنهم يعلمون أن المستقبل للتغيير وليس لقوى السلطة الحالية، هذا إذا فكروا من زاوية مصلحية خالصة. ولنا أن نتساءل فيما لو حدث هذا فعلاً وقرروا هم أيضاً المقاطعة: ما الذي سيتبقى إذن من لعبة الانتخابات بظروفها الحاليّة؟
– مرة أخرى: أنموذج مقاطعة ٢٠١٨ خطأ في ظرفنا الحاليّ. أما أنموذج المقاطعة الصحيح فهو أن تصدر عن موقف موحد لتشرين كلها أو غالبيتها ومعها قوى التغيير الأخرى وشخصيات المجتمع ويكون ذلك ببيان موحد، ثم تتبع هذا البيان خطوات مواجهة لكل أكاذيب السلطة وكشفها والاستمرار بالاحتجاج عليها (عن طريق العمل السياسي للأحزاب الجديدة أو إقامة الدعاوى القانونية أو عن طريق العمل الاحتجاجي السلميّ الميداني) حتى تحقيق الحقوق والنصر. هذا هو الصح، أما غيره فأي مقاطعة خطأ.