نعيم عبد مهلهل / فرانكفورت
تغريدة جعفر في تويتر 11
تويتر (بالإنكليزية: Twitter) أحد أشهر شبكات وسائل التواصل الاجتماعي يقدِّم خدمة التدوين المصغّر، التي تسمح لمستخدميه بإرسال تغريدات عن حالتهم أو عن أحداث حياتهم أو إبداء آرائهم بحد أقصى 140 حرف للرسالة الواحدة، وذلك مباشرة عن طريق موقع تويتر أو عن طريق إرسال رسالة نصية قصيرة SMS أو برامج المحادثة الفورية أو التطبيقات التي يقدّمها المطورون.
بين تويتر وجعفر حكاية تشبه في صدفتها نهايات قصص الأفلام الهندية، فذات يوم أعجبتني تغريدة في تويتر لحساب يحمل عنوان (أهوار جعفر) فحسبته جعفراً بين مئات الألوف من الجعفريين الشيعة الذين عادة يسكنون الأهوار من زمن بعيد ، ولكن عندما تمعنت بملامح جعفر، وجدتها نفس ملامح (جعفر عودة دهليز)، التلميذ الذي كان من التلاميذ القلائل في قريتنا من يحمل كيس القماش الذي وضع فيه كتبه ودشداشته الاحتياط والتحق طالباً في متوسطة الجبايش، كنا وقتها نسأله دوماً: من سمى جده دهليز، والدهليز هو ممر في البيوت التي تبنى من الطابوق، وهنا البيوت كلها تبنى من القصب؟
فيرد جعفر: ما أدري اسألوا أبي؟
فيجيء جواب الأب، نحن نسمي الظلمة دهليز، وأظن أن أبي ولد في ليلة مظلمة.
قلت: الظلمة تسمونها هندس.؟
قال: وجدي الذي سمى أبي سماها دهليز وربما سمعها من الترك أو العجم فهو ذهب زائراً إلى الإمام الرضا في إيران.
وقتها أقتنعنا بإجابة والد جعفر الذي يطل الآن في تويتر بواحدة من صدف القدر التي لم أحسب لها أن يكون تلميذٌ في قريتنا التي كانت تتعجب مع بصيص ضوء لمبة راديو الفيليبس الذي جلبناه من أجل ليل أغاني أم كلثوم، ليكون له حساب في تويتر، وربما لديه حساب آخر في الفيس بوك.
كانت تغريدة جعفر في تويتر كتبت بلغة عالية الأداء، لا تمت بأي نبوءة تسكننا من أجله، فلقد كان متوسط الذكاء، وحين ذهب إلى المتوسطة تندر أحد المعلمين على ذهاب جعفر إلى عالمه الدراسي الجديد بقوله: جعفر لا يطمح ليكون عريفاً بالجيش وينهي الخامس الابتدائي، بل يريد أن يكمل الثالث متوسط ليتطوع نائب ضابط في البحرية مثل جاره التلميذ مُسعد.
كانت تغريدته تقول والتي أحسستني به أنه (جعفر عودة دهليز): علمني معلم الجغرافيا في قريتنا الواقعة في أهوار دهاليز جدي الذي أزعج الترك بـ(توثيته) أن خارطة العالم خطوة حذاء على رصيف محطة قطار.
وقتها قلت: هذا جعفر دهليز وهذا قول قديم نسيته وذكّرني به السيد الجميل (تويتر).
أضفته إلى قائمتي، وحين عرف أني معلم الجغرافية رأيت دموعه تتساقط على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي وكتب إليَّ: إلهي، كم قصيرة دورة هذا العالم، حقاً خارطة العالم حذاء على رصيف قطار تويتر.
بقي أن أعرف أين انتهى العمر بجعفر.؟
فعرفت أنه مال إلى اليسار الشيوعي يوم ذهب إلى الإعدادية، وتمت مضايقته في أول عام له في كلية الآداب فسافر لاجئاً إلى عدن، ومن ثم إلى بودابست.
الآن جعفر الذي يغرد في تويتر هنغاري الجنسية، وزوجته اسمها مالدافيا رومان. ولكنّ ولديه يحملان اسم (عوده ودهليز) ….!
—
* سلسلة حكايات متنوعة تاريخية وتراثية ومواقف في السيرة ينشرها الكاتب الروائي العراقي نعيم عبد مهلهل على حلقات .