امجد طليع
ما الذي يجري ؟
قبل كل شيء انا لا اتحدث هنا بشكل مقتضب او مفصل عن الكتاب الشهير للدكتور الراحل علي الوردي الذي يحمل عنوان (مهزلة العقل البشري) بسبب الشبه بين عنوان الكتاب وعنوان المقال اعلاه لاني لن ابحث في التاريخ كما فعل الوردي في كتابه ولن اخوض باعماق المجتمع كوني لست مختصا لا بالتاريخ ولا بالاجتماع وانما اتحدث عن الحاضر واتناول مفهوم المهزلة من جانب اخر والمقصود به المفهوم المتداول شعبيا فعندما يرى العراقيون ما لا يعجبهم بشكل غير متوقع فيقولون بلهجتهم (صايرة مهزلة) وهذا ما ما دفعني الى السؤال الاتي (ماذا يجري ؟) واليكم بعض دوافع هذا السؤال حيث ادعي باني اطرحه بهذه اللحظة بحلة جديدة تختلف عمن طرحه في السابق بعد ان اطلعت على هذه الاخبار والتي كانت عناوينها كالاتي:-
(اجتماع للمفوضية العليا للانتخابات في العراق مع السفير الصيني في بغداد لبحث العملية الانتخابية المرتقبة في العراق) هذا فحوى بيان صحفي قراته وقد تداولته كروبات تطبيق الوتساب الخاصة بالاخبار الصحفية والحورات السياسية حاولت اعادة قراءة البيان للتاكد بان المقصود ليس سفير الصين وان اسم الصين جاء نتيجة هفوة محرر او خطأ غير مقصود وان الاجتماع عقد مع سفير اخر لكن تم تاكيد الصدمة ، نعم مفوضية الانتخابات تبحث الانتخابات العراقية مع سفير دولة بحياتها ما تعرف (شنو) انتخابات ولا يعرف مواطنوها حقهم باختيار ممثليهم السياسيين لا بل ليس من حق المواطن فيها عبادة ربه وليس اختيار من يمثله سياسيا.
بعد هذا البيان باشهر ومع اقتراب انتخابات حزب البعث الاشتراكي السوري لاختيار بشار الاسد رئيسا لجمهورية سوريا للمرة الرابعة على التوالي كما هو مؤكد وفي ذات الكروبات الوتسابية ذاتها تداول الصحفيون خبر مرفق بعدد من الصور يفيد بان (وفد برلماني عراقي يزور دمشق ويلتقي البرلمان السوري للإطلاع على خطة العملية الانتخابية المعتمدة في الأراضي السورية) وهذا الخبر لا يقل وقعا عن الذي سبقه بشهور حول الاستفادة من الصين بالانتخابات.
ما الذي يجري وماذا حل بالعراق؟؟
فيا ساسة
هذا البلد في الوقت الحاضر ليس له على العالم سوى انه عانى من ظلم دكتاتورية توصف بانها الاكثر اجراما في التاريخ الحديث وضعت البلاد على مدار عقود في عزلة واضطهدت مواطنيها وحرمتهم من ابسط حقوقهم واوغلت بدمائهم اعدامات وتغييب ومقابر جماعية وسيق الرجال الى حروب عبثية ليس لها مبرر وثكلت النساء وحرم الاطفال من التعليم والعيش الكريم.
وبعد اسقاط النظام من قبل القوات الامريكية والبريطانية وحلفائهما هب العالم الحر متعاطفا مع هذا الشعب الضحية وقدمت الدول الديمقراطية مختلف انواع الدعم للعراق وشعبه على امل ان تعيد الطبقة السياسية الجديدة التي جاء بها الامريكان هذه البلد الى الحضيرة الدولية ويندمج بمنظومة دول العالم الديمقراطية التي تضمن دساتيرها حرية التعبير والعيش الكريم وتلتزم بالاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة وياتي هذا الدعم واحتضان العراق من قبل هذه الدول الديمقراطية على اعتبار ان شعب العراق كما قلنا كان ضحية لدكتاتور جلاد والاحزاب التي حلت بديلا عنه كانت مضطهدة ومطاردة وعاشت في بلدان اللجوء اعضائها هاربون من احكام بالاعدام بعد ان فقدوا رفاقهم وعوائلهم على يد ذلك الدكتاتور وانها ستعمل على قيام نظام يعوض فيه الشعب ما فاته من حياته وجعل نظام صدام عبرة حتى لا تتكرر ماساة حكمه مرة اخرى وبالمقابل يتوقع للعراق ان يكون دولة تساند بناء الديمقراطيات في المنطقة وتدعم الشعوب على حساب الانظمة ولن تفتح ذراعيها لانظمة تقمع شعوبها كما فعل صدام مع شعبه باعتبار انه باد قد كوته نار ظلم حكم التسلط والاضطهاد.
لكن المهزلة ان يجري عكس ذلك وانما اسوء من ان يوصف بالعكس .
فما الذي يمكن ان تقدمه الصين المحكومة بحزب شمولي ان تقدم الى بلد يقر دستوره مبدأ التداول السلمي للسلطة حتى وان كان هذا التعاون بمجال التقنيات وتحديدا الاجهزة الالكترونية المستخدمة بالانتخابات بدلا من العد والفرز اليدوي فما المانع من استيرادها من دول ديمقراطية ؟ وشراء الاجهزة التي تستخدمها بانتخاباتها بوصفها مجربة ومحصنة من التلاعب ما الذي يدفعكم لان تدخلوا تحت عباءة الصين المعروفة بحمايتها للانظمة الدكتاتورية من خلال عضويتها الدائمة في مجلس الامن واستخدامها حق الفيتو يكاد يكون بشكل دائم لنقض اي قرار اممي يطال الانظمة الدكتاتورية.
اما انتخابات سوريا فقد اجمع المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بها وحذر من اقامتها كونها تعرقل المساعي السياسية الدولية الرامية لانهاء الازمة التي يعاني منها الشعب السوري في حين ذهب نواب عراقيون للمشاركة في الرقابة على انتخابات نتائجها شكلية كارتونية محسومة تقام في ظل نظام لا يقل قسوة عن نظام صدام ولا يتردد في فتل شعبه او حرق مدنه ولم يبارك فوزه سوى خمسة دول اما دكتاتورية او تعيش تحت وطئة العقوبات الدولية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يطارد معارضية ويقتلهم على اراضي اجنبية باستخدام مواد وغازات محرمة دوليا كما حصل مع رجل المخابرات المنشق الكسندر لتفينينكو في لندن.
الساسة العراقيون الذي كان العالم يبني عليهم امال بناء انموذج للديمقراطية في الشرق الاوسط يكشف نيتهم الالتحاق بركب الانظمة القمعية ولا نعلم ان كان هذا توجه نابع من بنات افكارهم وان تجارب الانظمة القمعية تستهويهم طمعا بالسلطة ومكاسبها او انهم يامرون بذلك من الخارج فينفذون ، وبكلتا الحالتين فان هذا التوجه يكشف فعلا عن مهزلة العقل السلطوي العراقي وهنا لابد من وقفة لمختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية في العراق لايقاف هذه المهزلة التي سبق وان ذقنا مرارتها سنين طوال وعدم السماح لاهواء هؤلاء للمغامرة باعمارنا ومستقبل اطفالنا اذ لم يعد في العمر اربعين سنة اخرى نهدرها من اجل نزق الضحية بعد ان اهدرنا مثلها بسبب عبثية الجلاد (فمن انتم) كما يقول معمر القذافي حتى تعملون على رهن حياة اربعين مليون كائن بشري باهوائكم الايدلوجية او باوامر تاتي من خلف الحدود ، لابد لهذا ان يتوقف والا فاننا سنقرأ في الخبر المقبل وبكل رضا (وفد عراقي يزور بيونغيانغ للاطلاع على تطور تجربة حقوق الانسان في كوريا الشمالية).
“يا حسافة اجسادنا التي مزقتها السيارات المفخخة قرابينا لهذا النظام”