حرب اليمن انجلز مر من هنا / عبد المنعم الاعسم

حرب اليمن انجلز مر من هنا / عبد المنعم الاعسم

 

عبد المنعم الاعسمً
لا أحد، حتى اساطين المنجمين، يعرف الى أي مآل ستنتهي اليه حرب اليمن التي لا يمكن نزع انتمائها الى تاريخ الحروب في هذه البلاد العريقة. فريدريك انجلز وفي رسالة الى كارل ماركس كتب انه كان يكفي ان تنشب حرب واحدة في هذا الجزء من العالم”حتى يتم اخلاء البلد من سكانه” ووصف ما كان يحدث من اضطرابات غامضة هناك بالقول ان تدميرا مباشرا وعنيفا يجري الى درجة لا يمكن تفسيره الا بالغزو الحبشي.
والحال، في اليمن الآن حرب اهلية كلاسيكية: الكل يحارب الكل.. الحوثيون يحاربون الجماعة الارهابية المسلحة “القاعدة” وكلاهما يحاربان الدولة التي تتصدى لهما بوسائل الاستقواء المستعارة من وراء الحدود، لكن الشيء الآخر الخطير الذي تطرحه الحرب اليمنية يتعلق بالحرب نفسها كوسيلة لحل الخلافات، او وسيلة للوصول الى السلطة، في وقت دخل العصر مرحلة بدت كما لو انها فتحت الافاق نحو الطريق السلمي (الاحتجاجات. العصيان المدني. الاضرابات. التعبئة الشعبية) كمعبر الى التغيير.
لا جديد في القول ان وصفة الحرب اليمنية الجديدة “الكل يحارب الكل” ستعم مناطق كثيرة من العالم التي تعاني من اثار اللاعدالة في نظام العولمة الجديد، والمهم، ان اسباب اندلاع الحروب لا تزال، كما في السابق: التغيير بالقوة. هيرودوت، ابو التاريخ، اعاد اسباب الحروب الفارسية اليونانية قبل الفين واربعمائة عام الى فساد وجبروت “سادة” المدن، لكنه يحذر من الاعتقاد الخطأ بان جميع الحروب تندلع لاسباب مشروعة، فالشرعية قضية تثير التباسات واختلافات منذ حروب طروادة التي يختلف حول شرعيتها المؤرخون حتى الآن، لكن الاكثر مدعاة للحذر من القبول بمبدأ الحرب كحل للخلافات بين الدول هو ان الامم تعطي العدو خلال حروبها صورة يصبح معها قتله، والتمثيل بجثته، مشروعا.
في غضون ذلك اكتشف الكثيرون وصفة “سحرية” لتأويل حروب غير عادلة، لا أخلاقية، أو لا داعي لها، وفي الغالب تكون النزعات المغامرة واجهة للعنجهية والطموحات المريضة، لأنها تهيء الاسباب الواهية للكثير من الحروب. كاليغولا، كان يقول: “أريد الحصول على القمر. ثم أعيّن حصاني رئيسا لمجلس الشيوخ” أما صدام حسين فانه اعتبر الحرب “كونه” يثبت خلالها قوته وتفوقه، وأول اسم تمثّل فيه، كمحارب، هو “محمد الفاتح” الذي نجح في فتح القسطنطينية.
الاقوال في الحرب كثيرة، واطرفها قول جورج ارويل بان “أ سرع طريقة لإنهاء الحرب هي أن تخسرها” وحكمة أجاثا كريستي القائلة “الانتصار في الحرب مشؤوم مثله مثل خسارتها” وقول فولتير ” ليس القوي من يكسب الحرب دائما، إنما الضعيف من يخسر السلام دائما” والشاعر بول فاليري من قوله “الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض”. اما اينشتاين فقد كان يقول “لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة”.
وإذ يتفق المؤرخون على اللوازم الخاصة بكسب الحرب، في السياسة وفي غيرها، فان واحدة من اهم اللوازم وجوب التفكير والتحسب والاستشارة قبل المغامرة في خوضها، وفي كتاب “زهر الالباب” للحصري القيرواني محاورة عميقة المعني، حيث أتى قوم من العرب شيخا لهم قد أربى على الثمانين، فقالوا له: ان عدونا تجاوز على اراضينا، فأشرْ علينا بما تدرك به لمواجهته، فقال: “الضعف فسخ همتي، ونكث ابرام عزيمتي، ولكن شاوروا الشجعان من ذوي العزم، والجبناء من ذوي الحزم، ثم اخلصوا من الراي بنتيجة تبعد عنكم معرة نقص الجبان وتهور الشجعان، فاذا نجم الرأي على هذا كان أنفذ على عدوكم من السهم الصائب والحسام القاضب”.
وفي تاريخنا المعاصر ثمة حصيلة واسعة للحروب. اسبابها، ظروفها ونتائجها، وتعد بلاد اليمن بحد ذاتها ارشيفا لحروب في عمق التاريخ حتى ليبدو تاريخ اليمن كسلسلة من الحروب لتغيير السلاطين والحكام من بلقيس ملكة سبأ حتى علي عبدالله صالح، فمن الكثير من المدونات نعلم ان اليمن لم تنعم باستقرار الا ونزلت عليها نازلة الفتن، ولم تنصرف الى البناء الا وأغارت عليها الفيضانات والاعاصير والدوامات، وكانت الدورات الكونية قد منـّت عليها بجنتين “فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم” واللافت هنا بان الازمات اليمنية الدورية تنطلق من نقطة غامضة ثم لا تلبث ان تشغل العالم بوصفها قدرا أو كابوسا، لكأن الهدهد لا يزال يخاطب سليمان حتى اليوم “وجئتك من سبأ بخبر يقين”.
وفي كتابه رحلة اثرية الى اليمن رصد الدكتور أحمد فخري امجاد اليمنيين اذ فرضوا سيطرتهم على خط القوافل التجارية من الجوف الى الشام، كما انهم فرضوا ثقافتهم وابداعاتهم الصناعية والشعبية في زمن كانت الامم تغط في ظلام دامس الامر الذي عبرت عنه آثار مدن قرنو وقتبانو ووائل حتى القرن العاشر قبل الميلاد، حيث شيدت مملكة سبأ العريقة التي عرفت اعرق ديمقراطية في مجالس المشورة والجدل، وتمثل نقوشها الآن مفاتيح معارف للدخول الى مغاليق تاريخ الشرق وفصوله الأكثر مثاراً للجدل حيث انهارت المملكة اليمانية الاولى تحت سنابك خيول الممالك المجاورة، ورحل ملوك وجاء ملوك غيرهم.
وليس مبالغة في اجماع المؤرخين على ان الظاهرة السبئية من حيث الصعود الى المجد والهبوط الى الخراب استمرت في حقب التاريخ اليمني باشكال مختلفة حتى تحولت هذه البلاد العريقة الى حكمة بالغة الدلالة، فثمة لديها جواب لأي سؤال.. ولديها دواء لكل داء، ولديها حرب لكل سبب.
هذا في الماضي.. أما في الحاضر.. غداة القرن الواحد والقرن العشرين فقد خاضت اليمن ثلاثة حروب أهلية تحت شعار توحيد الأرض وانهاء التشطير.. وحربا رابعة بلا شعارات محددة، عناوينها الارهاب واختطاف السياح وحرية التعبير وانهاء الامبراطوريات القبائلية وترويض الغزال الجنوبي لضمه الى العائلة اليمنية التي طالما ارهقها الحنين الى الماضي التليد، ثم دخلت حربها الخامسة: جمهورية وراثية، وذلك قبل ان تندلع الحرب السادسة قبل عشرة اعوام مع اندلاع حروب الربيع العربي التي شهدتها شوارع المدن العربية الكبرى، وقد اصبح واضحا بان مطالب اليمنيين لم تبتعد عن تلك الصبوات النائمة منذ آلاف السنين: دولة قبائلية. امهرية. عروبية. اشتراكية. ناصرية. ملكية. جمهورية. جمهورية وراثية. خليجية..الخ.
ولم تكن تلك الحروب اليمنية، والحرب الدائرة الآن غير سيناريوهات لمستقبل يسهل فيه تعريف معنى الحرب.. كسياسة بوسائل اخرى.
********
استدراك:
كان آل كوبوني، رجل العصابات الامريكي، يقول:
“يمكنك الذهاب إلى مدى بعيد بابتسامة، ويمكنك الذهاب إلى مدى أبعد بكثير بابتسامة ومسدس”.

.

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *