الفكرةُ الثالثة …. علاء الخطيب

الفكرةُ الثالثة …. علاء الخطيب

علاء الخطيب

تعوَّدنا ان نطرح الأفكار المضادة لبعضنا البعض بثنائية الضد النوعي،  ونتحمسلرفض الآخر ، باستحضار ثنائية الضد المخزونة باللاوعي .

انت مع  الحشد …. انا ضد الحشد ، انت مع ايران…. انا مع امريكا,  انت جوكري، انت ذيل،  انت علماني …. أنا ضد العلمانية، انت اسلاميانا ضد الاسلامي   والعكس صحيح، لم نفكر ان نصنع فكرة بديلة.

فكرة الضد هي فكرة البحث عن العدو  المفترض ، وهي تعمل على صناعة   فريقينمتصارعين على الدوام ،  لان اساس الفكرة ناشئة على الخصومة ، وبالتالي نهاياتهامعروفة وهي المواجهة والصِدام . ففكرة الضد هي الفكرة التي لا تقبل التعايش مع الاخر ،باعتبارها فكرة متوترة مأزومة  غير قادرة على صناعة الحلول العقلانية .

ودائماً ما يلجأ اصحابها الى الاثارة  والتجييش، وشيطنة الخصم ، فهي الوسيلةالوحيدة للانتصار كما يعتقدون .  ربما يكونوا منتصرين،   ولكنه انتصار الوهم ، نعممنتصر ، لكن السؤال منتصرٌ  على مَنْ ؟

ان أصل فكرة الضد  متأتية من ثنائية  الله والشيطان، اي الخير المطلق والشر المطلق ،وهي فكرة دينية بحته ، خرجت من رحم الموروث الثقافي الديني ، فالشيطَّنة أو الأبلَّسة  مفهوم ديني  لا يصلح  في عالم السياسة ، الذي ليس فيه  محرمات ولا مطلقات في العملباعتبار ان عالم السياسة عالم متغير .

من هنا تعتبر الشيطنة عصا شديدة القوة  تستخدمها الاديان من اجل فرز من لا يؤمنونبالله، وبالتالي يحق على الرافضين ( الكفرة ) العذاب دون اعترض من احد .

ولكون محاربة الشر وما يرتبط به  طبيعةٌ

فطرية ، لذا يكون التسويق لفكرة الضد سهلة وميسرة .

لذا  استخدم السياسيون الثيوقراطيون والمؤدلجون بشكل عام  ثقافة شيطنة الخصوم،لانها اسهل طريقة للوصول الى الهدف ، اذا ما علمنا ان اغلب السياسيين يراهنون علىوعي الشارع  العاطفي المنفعل.

ان نفي فكرة الضد ليست في مصلحة  المتخاصمين سياسياً، لذا نراها رائجة على الدواموحاضرة متى ما وجدت العقول المريضة  .

ومن ناحية اخرى فان أفكار الضد تعيش على بعضها البعض وتكتسب ديمومتها منالاخرى ، وان أقصت احدهما الاخرى عن مشهد الصراع لفترة ما ،  لكن الاخرى  لن تموتبل ستبقى حية تتربص باختها  الدوائر للظهور مرة اخرى.

لازال العقل السياسي العراقي والعربي بشكل عام  يعاني من ثنائية الفكرة ، باعتبارهعقلاً موتوراً ومأزوماً  ، يؤمن بثقافة صناعة الأعداء ،حتى لو كانوا وهميين.

لم يتمكن   هذا العقل في مسيرته السياسية وعبر مراحله التاريخية  من البحث عن فكرةثالثة تستوعب الفكرتان،  ليمنحنا قدر اً من العقلانية كمواطنين  ، بل  جعلنا ندور فيفلك التبرير لفكرة الضد ، بالطائفية مرة وبالقومية اخرى وثالثة بالمدنية ، وكل هذاوالعناد هو السيد  المسيطر على انفعلاتنا النفسية .

ففي كل حدث يتجدد الصراع بين العراقيين ، وينقسمون الى فريقين مؤيد ومعارض ،وتتصاعد موجة الاتهامات والتخوين والعمالة ، ومن الطبيعي ان نتوقع المواجهة  بينهما، فلكل فعل رد فعل يساويه بالقوة يعاكسه بالاتجاه.

ففي المواجهة يخسر الجميع وفِي المقدمة الوطن .

ربما نتمنى ان ينتهي الصراع في وطننا  ونعيش  بثبات ونبات ونجيب صبيان وبنات ،لكن التمنيرأسُ مال المفلسين  فوحده ليس كافياً . نحتاج الى نهضة عقلانية حقيقية، وهذه النهضة  لا يصنعها  الشارع المنفعل  بل تصنعها النخب المستنيرة .

حينما نتحدث عن الفكرة الثالثة،نعني بذلك الفكرة المسترخية الفكرة الخارجة من رحمالخير، التي لا تنمو معها الطفيليات السياسية، ويمكن ان نطلق عليها نقطة الشروعالجديدة لمشروع جديد.

(Visited 6 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *