المتابع لحركة المسرح في العراق وتطوره يستطيع ان يصل إلى أسباب انكفائه في المراحل الأخيرة من مطلع القرن الحادي والعشرين بعد أن تالق الإنتاج المسرحي العراقي وصار في القمة في ستينات وسبعين القرن الماضي الفاعل في توعية المجتمع وحركة التغيير و مميزات تحسين ذائقة الجمال عند جمهور المتفرجين والمتابعين للعروض المسرحية.
هذا التألق ناجم عن لحمة المسرحيين وقوة ارادتهم وتفاعلهم الشعبي مع الجمهور. اضافة الى محاولات السلطة كسب ود الفنانين الى جانبها بعد الممارسات الشريرة في قمعهم وغلق مقرات فرقهم المسرحية ومنعهم من مزاولة نشاطهم المسرحي من قبل السلطة الحاقدة والموتورة التي ليس لها اي ارتباط بالفن والجمال والافكار المتنورة ، السلطة الفاشية التي قفزت على مراكز الحكم في غفلة من الزمن في الثامن من شباط 1963 المشؤوم.
أستمرت الحركة المسرحية العامرة بالأفكار النيرة والابداع الفني المتميز مواصلة نشاطها الدؤوب ، لكن هذا النشاط لم يستمر فقد بدأت سلطة 17 تموز الجديدة بوضع العصي أمام عملية التقدم والرقي بعد ان تركزت سلطتها ثم ما لبثت أنْ لا حقت الفنانين المسرحيين واعتقلت واعدمت العديد منهم مما اضطر العديد منهم مغادرة العراق بحثا عن الأمن والأمان بذلك تحول المسرح في بلدنا الجاد والهادف بتدبير من السلطة القمعية وتشجيع منها الى مسرح تجاري رث واستهلاكي هدفه الأساس اضحاك الجمهور بحركات وتصرفات سوقية مرفوضة خاصة بعد ان تفاقمت مآسي الحرب ، وتزايدت اعداد الفرق المسرحية التي تروج لهذا الفن الهابط وازداد عدد المسارح التي تعرض مسرحيات هازلة ذات مستوى متدنٍ ، وأن تتحول المسارح الى ما يشبه المنتديات الليلية، واعتمدت عروض تلك المسارح على فقرات الرقص والغناء وإلقاء النكات والضحك على الذقون واغراءات الجسد ، عند سقوط هذه الزمرة عام 2003 توقع المسرحيون المهنيون نهوضا جديدا للمسرح الجاد وتهيأوا لذلك..
غير أن الآفاق كانت عكس التوقع، حيث اعتبر عدد من ماسكي السلطة الجديدة أن المسرح والتمثيل مجرد تشابيه غير مقبولة ومحرمة، لكنهم لم يقدروا على انهاء جذوة المسرح انما عملوا جاهدين بقوة السلاح وبالعصابات المنزلية وبالسلطة التي قفزوا اليها ان يحدّوا من مسيرة الحركة الفنية وبرغم الجهود المضنية المبذولة من قبل الفنانين لتحدي هذه الادعاءات والعمل على انتاج مسرحي مستمر وإعادت الحياة لفن الفنون – المسرح – الا ان جهودهم اقتصرت على عدد من الأعمال المسرحية التي قدمت هنا وهناك في بغداد وبعرض لا يزيد على اليوم الواحد عند الصباح!
لم تستطع دائرة المسرح والسينما بكادرها الفني والإداري الكبيرين ان تنهض بمسؤوليتها الفنية وان تحرك الساكن في المسرح وبقيت على وضعها غير المنتج بسبب ماتتعرض له من ضغوط.. الجهة الضاغطة هي المسؤولة عن حرق مسرح الرشيد في السابع من كانون الاول 2020 بعد ترميمه من قبل فنانين غيورين، وبعد أيام من افتتاحه، إن من أحرق المسرح الكبير والمهم هم ازلام الاحزاب الإسلامية والمليشيات التابعة لها التي لا تعرف غير لغة السلاح والدم الحاقدة على الفن والجمال والإبداع والفكر التنويري.
ان حرق مسرح الرشيد هو تبليغ دموي بعدم السماح للعمل المسرحي باي حال وان العصابة المتخلفة تهدد من يحاول كسر ارادتها بالحديد والنار ، الا ان الفنانين المسرحيين لن يرضخوا لهذا التهديد ولن توقفوا عن دفاعهم عن المسرح والعمل على انتاج مسرحي متقدم ومتميز ، فالنهضة المسرحية قادمة لا محالة والانتاج المسرحي سيعود كما كان وافضل فلن توقفه عصابات وشراذم مصيرهاالزوال والبوادر جلية والغلبة في النهاية لماهو خير وابداع وحضارة وجمال.
أنكفاء حركة المسرح في العراق..
(Visited 24 times, 1 visits today)