في أيام تسلط حزب البعث ونظامه القمعي على رقاب الشعب العراقي ولعشرات السنوات
كانت آلة الاعلام الحكومية تسوقُ الناسَ إلى حيث ترغب السلطة دون رقيب أو ضمير ولشحةِ وسائل التواصل الاجتماعي في حينها وقسوة الأجهزة الأمنية الحكومية من جهة أخرى استسلمَ الشارعُ العراقي للدعاية المتحزبة ؛ ولهمجية القمع المفرط لم يمتلكْ المواطن مبررا للتحليل أوالتدقيق أو الاعتراض على مايساق له من معلومات جلها كاذبة.
وبات الموضوع غير مهم في أثناء الحصار القاتل الذي فتك بالشعب العراقي منذ 1991م إلى 2003م ، فتكَ بالشعب دونَ المساس بأدوات النظام وأزلامه.
ومما رسخ في الذاكرة من الاعلام الحزبي والحكومي سابقا ، أن المعارض أحمد الجلبي قد سرقَ مصرفا شهيرا وكان مديرا عاما له ، وذلك في عمان عاصمة المملكة الاردنية الهاشمية واختفى بعد ذلك وإلى هنا ينتهي الخبر في الشارع العراقي أيام حكم النظام البعثي.
أما بعدَ أحداث عام 2003م ومع المعطيات الجديدة لدى الشارع العراقي تعرفَ الناسُ إلى شخص أحمد الجلبي بوصفه معارضا من أصول بغدادية مترفة ، عائدا للعراق مع كثير من رفاقه بالمعارضة العراقية آنذاك وكان توفيقيا بين جميع الأطراف مجتهدا في ترتيب البيت الشيعي إنْ سمحت لنا التسمية… من الداخل ورجلا مهما في علوم المحاسبة والمالية مسخرا تلك الصفات في طبيعة عمله السياسي ولكنه مع الاسف شُمِل بعنف الموجة النقدية اللائمة والقاسية التي طالتْ كثيرا من الاسماء بتهم الفساد المالي أوالتخفي خلف الدبابة الامريكية أو مسايرة ذاك الجار من غيره فكان ضمن الأهداف الاعلامية التي تناولتها قنوات معينة معروفة الغايات.
ولا ضرر بأنْ نعترف بان كثيرا من التهم كانت ثابتة على كثير من السياسيين ولاجدال في الامر.
وآنذاك شهدنا للرجل بضعة لقاءات تلفازية دافع الرجل بها عن مفاهيمه المالية والاقتصادية لتكوين الدولة العراقية ما بعد 2003م.
ولم يؤثر طرحه على سياسة الدولة النقدية ونزاهتها ولم يلق آذانا صاغية ولكن بعد رحيله عام 2015م.
وقد تغيرتِ المسارات في العراق بشكل متسارع ومخيف ، ظهرت لنا أشرطة الفديو القديمة للراحل أحمد الجلبي والذي توقع فيها مرارا وتكرارا ما يمر به العراق اليوم وعرفَ بالأسباب وتناول الحلول وتداولت تلك الاشرطة عديد القنوات العراقية بمختلف مشاربها ، وكذلك الأفراد في وسائل التواصل الاجتماعية ، والملفت في النظر أن هذه الذاكرة هي نفسها التي انتقمت من الرجل أثناء حياته و عادت لتمدحه بعد رحيله وكأننا لانعرف قيمة الاشياء إلا بعد فقدها أو موتها كما هو الحال مع القديرة الراحلة العبقرية زها حديدي والأمر نفسه ينطبق على اسماء كثيرة في وطننا الغالي يعيشون بيننا ومنهم فنانون واساتذة وأدباء…
وأظن ان السبب في ذلك اجتماعي ونفسي يعود على ماجبلت عليه هذه النفوس وتقولبت به في عشرات السنين المنصرمة ولم يحدث أنْ تعرضتْ لصدمةٍ تتساقط معها أوراق الذاكرة الميتة لتحلَ محلها أوراقٌ وارفةٌ تعرفُ أهمية الأشياء بوجودها ، يضافُ ألى ذلك امنية أنْ تستجيب هذه الحكومة لطروحات هذا الرجل والاستماع إليها إنْ ارادوا اصلاحا والالتفات إلى من هم بأهميته العلمية ممن يعيشون بيننا وقد استمع لهم الغرب قبل الشرق كما هو حال الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي الذي اجبر على الاستقالة والاختفاء.
أحمدُ الجلبي بينَ ذاكرتين
(Visited 2 times, 1 visits today)