حينما تتنازل البندقية للسياسة

كتب المحرر السياسي للمستقل :

كثر الحديث في الاونة الأخيرة عن  مصير الفصائل المسلحة في العراق ، وهل ستفرض سيطرتها على الحكومة القادمة ، خصوصا بعد النتائج الكبيرة التي حققتها في الانتخابات الأخيرة ، فهي تحتل ما يقارب الـ 80 مقعد في المجلس القادم .

هذا العدد الذي أوجس خيفةً في نفوس البعض ، لكن الحقيقة ان  البندقية  ليست سوى استراتيجية لفترة محددة ، بمعنى انها استثناء والدولة هي القاعدة .

فاغلب الفصائل المسلحة بالعراق تحولت اليوم إلى كتل سياسية ودخلت معترك السياسة  من باب الانتخابات ، تنازلت البندقية لطاولة الحوار السياسي .

  هناك قاعدة في الصراعات كما في اي حرب  تقول:  البندقية تزرع والسياسة تحصد

لقد تجاوزت بعض الفصائل المسلحة زمن البندقية، وربما ستضعها على الرف ، ولا تحتاج لها ما دامت السياسة ستحقق المراد .

  النصر السياسي  التي تحققه طاولة الحوار رغم بعض التنازلات والتخلي عن بعض الشعارات يبقى اقل تكلفة من استخدام البندقية .

لقد ادركت بعض الفصائل ان المعادلة تغيرت وان الزمن لا يمكن ان يسير بوتيرة واحدة ، لذلك لابد من تغيير في الاستراتيجية .

  ما مرت به المنطقة من احداث منذ السابع من اكتوبر عام 2023  مروراً باضعاف قدرات حزب الله وسقوط  نظام بشار الاسد ، وحرب الـ 12 يوم بين ايران والكيان ، والى يومنا هذا من تغول اسرائيلي و طغيان امريكي ، يجعلنا نفكر بطريقة مختلفة . وان   يكون لدينا تنسيقاً مختلفاً ، ومعادلة جديدة . وان نتمكن من إدارة أوراق القوة لدينا، ومعرفة مكامن الضعف  للذهاب إلى مرحلة  جديدة .

العراق بلد حباه الله بثروات كبيرة وعمق تاريخي وكتلة بشرية كبيرة ، وموقع جغرافي مهم ، ومساحات شاسعة غير مستغلة بشكل علمي ، وهذه عوامل تجعل منه بلداً قوياً مائزاً بين بلدان المنطقة .

ان تنازل البندقية للسياسة  يتسم بالعقلانية ، والذكاء  أحيانا، خصوصاً إذا كان  ميزان القوة لا يميل إلى جهة البندقية ، فهناك تجارب عديدة في  واقعنا الاقليمي تنازل فيه السلاح للسياسة.

والتجربة التركية لم تكن بعيدة عنا، فبعد الإضطهاد  والقمع الذي لحق بالأكراد ، كان  ” عبد الله أوجلان” اليساري الماركسي القومي ، قد تبنى فكرة التغيير بالسلاح ، فأسس في أوائل الثمانينات حزب العمالالكردستاني الذي حظي بدعم أوربي غير محدود ، وبلغ مقاتلوه الألوف ، سنحت له فترة السجن في إجراءعملية مراجعة وإعادة تقييم، فخلص إلى أن الحرب  التي خاضها ضد الدولة التركية كلفت الطرفين أكثرمن ثلاثين ألف قتيل معظمهم من الأكراد، وأن المناطق الكردية ظلت فقيرة متخلفة بسبب الحربالدائرة هناك، بينما بقية مناطق ومدن تركيا قد أخذت قسطها من التطور والازدهار الاقتصادي، فأسستفيها المصانع وبنيت بها الجامعات وشيدت الأبنية وفتحت فيها المطارات . والأهم من ذلك كله أن التيارالاسلامي الذي كان ملاحقا مطارداً مثله أصبح في السلطة يدير شؤون الدولة , فأطلق نداءه الشهيربضرورة ترك السلاح والتحول إلى مرحلة النضال السياسي السلمي .

ان سيناريو استخدام  السلاح المستمر الذي لا يستفيد منه سوى ذوي الأجندات السياسية ، لابد ان يتوقف وان تكون هناك نقطة شروع جديدة .

ان التركيز على سلاح الفصائل المسلحة والتخويف منه في وسائل الإعلام ودون ان يكون هناك رد شافي  ووافي من قبل  الفصائل بشكل سياسي ودبلوماسي ،  سيجعل المتربصين والذين يصطادون في الماء العكر   يرسلون رسائل ان البندقية ستكون حاكمة في الحكومة المقبلة ، وان الفصائل لا تنضوي تحت سلطة الدولة ، وهذا الكلام قد يصدقه البعض .

يجب ان يكون هناك بيان واضح وصريح ولو بطريقة غير مباشرة ، يطمئن الشارع ويسكت اصوات المتربصين ، البيان يقول: ان البندقية تنازلت للسياسة والكلمة  ، فهي بندقية وطنية  حينما يحتاجها الوطن .


مشاركة المقال :