“جدة “لم يعرفها الكثيرون
قد تبعد المسافات بين الخيال والواقع، لكن الحلم سيبقى حاضراً في تحقيق ما تصبو اليه النفوس الكبيرة ، وينثني المستحيل للإرادة والعزيمة والإصرار ، ولا يمكن ان يكون ذلك دون رؤية حقيقية وعملية لتحويل الخيال إلى حلم والحلم إلى حقيقة ، هذا تماماً ما فعلته السعودية في بلد الفن ، مدينة جدة التاريخية .
رحلة مذهلة وممتعة تحمل الجمال والفن وحكايا التاريخ وقصص الماضين وعبقهم ، ممن صنعوا الحياة .
لتأتي الاجيال لتشد على أيادي الأجداد، الذين كرّسوا الهوية الوطنية ، ومنحوا الأحفاد شرف الانتماء لهذه الارض .
من احضان الزمن العميق يخرج السندباد ليرى اليابسة من ضفاف عروس البحر الأحمر مدينة ” جدة ” .
وتبدأ الحكاية ويدق الربان جرس البداية .
ابتدأت رحلتنا من ذلك البيت الذي زينت جدرانه لوحات وأعمال فنية نطقت بلسان سعودي ٍ مبين، نقلت لنا حكاية التمسك بالأرض، وصناعة الحياة ، ثم تتوسع جغرافية الارض وتعدد المحطات و تتشابه الأماكن في رحلة الفتى حيث يتوقف في مدينة جدة العريقة ، ليرى اليابسة اي يرى الحياة .
” اني ارى اليابسة “ عنوان المعرض بنسخته الثالثة الذي ابحرنا من خلاله في جولتنا لنتصفح اوراق التاريخ التي أزيح عنها تراب الماضي بجهود جبارة من قبل وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية .
في الحارات القديمة والأزقة الضيقة وفي شارع المعلقات سمعت امرؤ القيس، ينشد قصيدته الشهيرة ” قفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزل … ثم ارتفع صوت ” طرفة ابن العبد وهو يناجي حبيبته ” لخولة اطلالٌ ببرقة ثهمد …. إوزهير ابن ابي سُلمى، في رائعته ” أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ
بِحَـوْمَانَةِ الدراج فالمتلثم ”
تنقلنا بين البيوت المتلاصقة التي تتنفس الحب والأصالة في شوارع بلد الفن “جدة التاريخية” .
بيوت سكنها اهلها ونبضت بالحياة تحولت اليوم إلى متاحف تروي للاجيال أحسن القصص، وبقيت تحمل اسماء ساكنيها ، تكرس بوجدها الهوية الوطنية العريقة .
على جانبي الحارات كانت المقاهي القديمة والمحلات تضج بالحياة، وتجذب المارة لتطلعهم على ” أيامنا الحلوة ” .
وانت تسير سيواجهك بيت منيف من طراز راقي ، هو بيت ناصيف الذي تحول الى متحف ، ثم ندخل إلى اقدم مسجد في جدة والذي ناهز عمره 1400عام مسجدٌ عامرٌ بالروحانية ، يتوسط البلد ، يفتح أبوابه للمصلين .
وما يبهرك في الرحلة هو التزاوج الرائع بين الحديث والقديم ، بين الواقع والخيال. بين فن الأنستليشن والذكاء الاصطناعي وبين الشبابيك او الشناشيل او كما يطلق عليها اهل جده ” بالروشنات” وهي مفردة روشان اي المضيء .
هذه المشربيات التي يدخل من خلالها الضوء والهواء وكذلك تعكس نمط الحياة التي يراعي فلسفة المجتمع الإسلامي.
حينما تتنقل في غرف منازل ” آل سلوم “ تتعرف أساليب الحياة والعادات والتقاليد وطرز البناء الذي يراعي الثقافة السائدة آنذاك ..
ومن خلال برنامج او مشروع ” بلد الفن ” ستبقى كنوز المدينة شامخة وحية، تستفز الزائر على مواصلة اكتشاف ما لا يعرفه عنها .