مسرحيتا سيرك والجدار… حضور عراقي لافت في أيام قرطاج المسرحية 2025

المستقل / متابعة

شهد مهرجان أيام قرطاج المسرحية بدورته السادسة والعشرين في تونس حضوراً قوياً للعرضين العراقيين “سيرك” و”الجدار”، في مشاركة عكست حيوية المشهد المسرحي العراقي وقدرته على تقديم تجارب فنية متجددة داخل أهم التظاهرات العربية.

وقد لفتت مسرحية “الجدار” للمخرج والكاتب العراقي سنان العزاوي الأنظار خلال عرضها مساء الخميس 27 نوفمبر 2025، حيث قُدِّمت ضمن المسابقة الرسمية في عرضين متتاليين وسط إقبال كبير دفع الجمهور إلى الاصطفاف طويلاً بانتظار المقاعد الشاغرة. واستمر العرض أكثر من ساعتين ونصف، مقدماً رؤية مسرحية تقوم على تفكيك العنف المسكوت عنه وكشف حكايات نساء يقفن خلف الأبواب المغلقة.

اعتمد العزاوي في “الجدار” على مقاربة إخراجية تقوم على المشهد الحدث بدل مركزية البطل التقليدي، فجاءت الشخصيات متساوية في حضورها ودورها داخل البناء الدرامي، وكلها تدفع القصة نحو ذروتها. وبرزت السينوغرافيا كأحد أهم عناصر العرض، إذ تحوّل الركح إلى فضاء أبيض محاصر بالأبواب والجدران، بما يعكس حالة الانغلاق النفسي والاجتماعي التي تقوم عليها الحكايات. كما ظهرت الشخصيات الجلادة بملامح حيوانية (فيل / خنزير / قرد)، في إشارة إلى تدهور إنسانية الجلّاد وتحوّله إلى كائن غريزي، فيما حضر “الجوكر” طوال العرض بلا كلمة واحدة، كسلطة صامتة تدير الفوضى من خلف الجدار.

واعتمد العرض كذلك على مزجٍ بصري وصوتي يجمع بين الموسيقى الأوبرالية والمؤثرات الحادة، إلى جانب توظيف ألعاب الأكروبات وحركات السيرك، ما جعل العمل منفتحاً على مدارس مسرحية عالمية دون أن يفقد خصوصيته المحلية.

أما الجدار نفسه، فقد تحول إلى رمز مادي ونفسي يختزن منظومة من الصمت والعنف التي تطوّق الفرد. خلف هذا الجدار تتوالى اعترافات عشرات النساء: امرأة تُسمن قسراً ليستغلها زوجها، أخرى تُدفع لتبادل الأزواج، وثالثة تُغتصَب تحت التخدير على يد شقيقها، ورابعة تحمل من أبيها، وخامسة يستعبدها سياسي نافذ، وسادسة يشوه رسام وجهها فتقتص منه… سلسلة من المآسي التي تُكشف كما لو أنّ الجدار يسجّل ما يُحاول المجتمع ستره. وفي المقابل، يطرح العرض أسئلة موجعة حول تحوّل بعض الضحايا إلى جلّادات حين يغيب القانون وتغيب العدالة، فتتجه القصص نحو القتل أو الانتحار، في صورة لمجتمع يدفع أفراده إلى الحافة.

ومع نهاية “الجدار”، يترك العزاوي سؤالاً مفتوحاً: ماذا يحدث حين تفقد الضحية ثقتها بالعدالة؟ سؤال ظلّ معلقاً في أذهان المتفرجين، مؤكداً أن العمل ليس مجرد عرض مسرحي، بل صرخة لكسر الصمت وفضح المسكوت عنه.

وفي السياق نفسه، يشارك المخرج العراقي الكبير جواد الأسدي في المهرجان بمسرحية “سيرك” من تأليفه وإخراجه، وبطولة أحمد شرجي وشذى سالم وعلاء قحطان. وتأتي مشاركة “سيرك” بعد سلسلة من العروض الناجحة في مسقط، وبغداد، ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي حيث حصد العمل جوائز في التمثيل والنص.

وقد أعربت دائرة السينما والمسرح عن فخرها بالمشاركة العراقية هذا العام، مؤكدة أن حضور المسرح العراقي في قرطاج يعكس قدرة الفنانين العراقيين على المنافسة عربياً، وعلى تقديم أعمال تحمل رؤى فنية معاصرة وهوية واضحة.

بهذه المشاركة المزدوجة، يثبت العراق من جديد حضوره في أهم المحافل المسرحية، حاملاً إلى قرطاج أعمالاً تحتفي بالتجريب من جهة، وتكشف جروح الإنسان وأسئلته من جهة أخرى.

 


مشاركة المقال :