نصير الزيدي
لم تكن الرياضة النسوية في الوطن العربي مجرّد محاولة لتقليد الغرب أو كسر التقاليد، بل كانت وعداً بالتغيير، وبأن تصل المرأة إلى المنصّات كما وصلت إلى كل مجالات الحياة. لكن هذا الوعد، رغم بريقه، لم يكتمل بعد.
فبين قمّةٍ تلمع فيها أسماء لامعة من شمال أفريقيا، وقاعٍ يرزح تحت قيود اجتماعية وثقافية في الخليج والعراق واليمن، تبقى المرأة العربية الرياضية عالقةً بين الطموح والعُرف، بين الانفتاح والعائق، بين من يصفّق لإنجازها ومن يراه خروجاً عن المألوف.
في دول شمال أفريقيا، تتألّق اللاعبات في الرياضات الفردية مثل ألعاب القوى، والتايكوندو، والكاراتيه، حيث يحققن ميدالياتٍ لامعة تصل أحياناً إلى الذهب، وينافسن أبرز لاعبات العالم.
الأسباب معروفة: بيئةٌ أكثر انفتاحاً، ودعمٌ اجتماعي وعائلي واضح، وإرثٌ رياضي متراكم جعل من التجربة النسوية هناك واقعاً طبيعياً لا استثناءً. فحين تمتلك اللاعبة أدوات التدريب والرعاية والاحترام، يصبح الوصول إلى القمّة مسألة وقتٍ لا معجزة.
في المقابل، تقف الرياضة النسوية في بعض بلدان الخليج والعراق واليمن على أرضٍ وعرة. فالعادات الاجتماعية والنظرة المتحفظة إلى المرأة الرياضية ما زالت تشكّل جداراً غير مرئيّ يحول دون تقدّمها.
ورغم المحاولات الخجولة لكسر هذا الحاجز عبر بطولات محلية ومشاركات رمزية، إلا أنّ الطريق لا يزال طويلاً، والإيمان الحقيقي بقدرات المرأة لم يتحوّل بعد إلى ثقافةٍ عامة.
إنّ السؤال الجوهري هنا ليس: لماذا لا تنجح المرأة الرياضية؟ بل: لماذا لا يُسمح لها أن تنجح؟
فالموهبة لا تعرف جنساً، لكن القيود الاجتماعية تفعل. والمجتمع الذي يربّي الفتاة على الخوف من الظهور، لا يمكن أن ينتظر منها أن ترفع رايته على منصّة التتويج.
ما نحتاجه اليوم هو بناء وعيٍ جديد يبدأ من المدارس، من المناهج، من العائلة، من الإعلام، ليترسّخ في الوعي الجمعي أن الرياضة ليست ترفاً أو مظهراً، بل وسيلة لبناء الإنسان، رجلاً كان أم امرأة.
يجب أن نتعامل مع الرياضة النسوية على أنها حقٌّ إنساني وثقافي وتنموي، وأن نُدرجها في خطط التنمية الوطنية، لما تمثّله من رافعةٍ للصحة والهوية والمشاركة الاجتماعية.
إنّ التغيير لا يحدث بقرارٍ إداري، بل بثقافةٍ تُؤمن بأن جسد المرأة ليس عيباً، وأنّ ظهورها في الميدان ليس خرقاً للأعراف، بل انتصارٌ للقيم الحديثة وللمجتمعات التي تتطلّع إلى النهوض.
وحين يتحوّل هذا الوعي إلى واقع، لن يكون غريباً أن نرى في كلّ بلدٍ عربي “أُنس جابر” جديدة في التنس، أو “فريال أشرف” أخرى في الكاراتيه.
حينها فقط، يمكننا أن نقول إنّ الوعد الذي قُطِع قبل عقودٍ قد اكتمل، وإنّ الرياضة النسوية لم تعد حلماً مؤجلاً، بل جزءاً أصيلاً من حركة الحياة العربية الحديثة.
