مصطفى طه الياسري
في لقاءٍ خاص مع صحيفة المستقل – بغداد، فتحت الدكتورة إيمان صبيح، أستاذة البايوميكانيك في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة للبنات – جامعة بغداد، قلبها وعقلها لتشخيص واقع الرياضة النسوية العراقية.
إيمان صبيح ليست مجرد أكاديمية، بل رياضية وطنية من طراز نادر، كانت العداءة الأولى في العراق خلال الثمانينيات، وحققت أرقامًا قياسية في سباقات الساحة والميدان، قبل أن تُنهي الإصابة مسيرتها كلاعبة وتبدأ رحلة التأثير العلمي والتربوي.
بصوتٍ هادئ وثقيل، وبحضورٍ يفرض الاحترام، تحدثت عن غياب التخطيط، وتهميش الكفاءات، وتحوّل الرياضة النسوية إلى ملف يُدار بالاجتهادات لا بالمشاريع.
واقع الرياضة النسوية… بلا هوية
ترى الدكتورة إيمان أن الرياضة النسوية اليوم أضعف من ماضيها، من حيث عدد المشاركات ومستوى النشاط الداخلي، مؤكدة أن “الهوية الحقيقية للرياضة النسوية العراقية غائبة تمامًا”، وأن “المشاركة الداخلية تراجعت كمًا ونوعًا مقارنة بالماضي”.
التحديات البنيوية… وغياب المرأة القيادية
أبرز التحديات بحسب رأيها هي غياب التخطيط الواضح من الجهات المسؤولة، إلى جانب مزاحمة الرجل في مواقع التنفيذ، مما أدى إلى تراجع حضور المرأة في المناصب القيادية داخل الأندية والاتحادات.
وتضيف: “فقدنا التمثيل الحقيقي للمرأة في المواقع العليا، من الأندية إلى الاتحادات، وحتى اللجنة الأولمبية”.
المجتمع العراقي… داعم لا معيق
رفضت تحميل البيئة الاجتماعية مسؤولية التراجع، مؤكدة أن “المجتمع العراقي كان دائمًا داعمًا للرياضة النسوية، من خلال المتابعة والتشجيع والاهتمام”، مشيرة إلى أن الجمهور العراقي يمتلك ثقافة رياضية واسعة، وأن الإنجازات النسوية دليل على هذا التقبل.
كرة القدم النسوية… بداية خاطئة
وصفت واقع كرة القدم النسوية بأنه “لم يبدأ بالشكل الصحيح”، منتقدة اعتماد الأندية على لاعبات من فعاليات أخرى لتكوين الفرق، ودعت إلى نشر اللعبة أفقيًا بين الفتيات الصغيرات، ثم الضغط على الأندية لتأسيس فرق متخصصة.
وأضافت: “نحتاج إلى دوري نسوي حقيقي، لا فرق تُجمع من فعاليات أخرى”.
المؤسسات الأكاديمية… ضعف في المخرجات
رأت أن المؤسسات الأكاديمية أدّت دورها التعليمي، لكن كثرة الكليات أضعفت مستوى الطالبات المتقدمات، مما أثر على جودة الخريجات.
وأشارت إلى أن البطلات الطالبات يحظين بدعم داخلي للمشاركة والاستثمار لاحقًا، قائلة: “حين تكون البطلة طالبة، تجد الدعم، وتُستثمر لاحقًا كمخرَج فاعل في الميدان”.
الساحة والميدان… تراجع مؤلم
بصفتها متخصصة في “عروس الألعاب”، عبّرت عن حزنها لتراجع الفعاليات النسوية في الساحة والميدان، مؤكدة غياب التخطيط والاهتمام، مما جعل العراق عاجزًا عن مجاراة التطور العالمي.
وقالت: “النتائج والمشاركات تراجعت، ولا أرى أي جهة مسؤولة تهتم بهذه اللعبة”.
المناصب النسوية… تمثيل رمزي
وصفت حضور المرأة في الاتحادات الرياضية بأنه “ضعيف ووهمي”، مشيرة إلى أن وجود عنصر نسوي واحد لا يكفي، ودعت إلى تشكيل لجنة نسوية حقيقية للدفاع عن الفرق النسوية وتمثيلها بفعالية.
وأضافت: “التمثيل الرمزي لا يصنع قرارًا، نحتاج أكثر من امرأة في كل مؤسسة رياضية”.
الإعلام الرياضي… داعم حين يجد ما يستحق
أشادت بدور الإعلام المكتوب في دعم البطلات، مثل نجلاء عماد، مؤكدة أن الإعلام يبدع حين يجد ما يستحق، ويُسهم في إظهار الإخفاقات لتلافيها، ومتابعة الإنجازات لإبرازها.
وقالت: “الإعلام كان دائمًا داعمًا للمشاريع الحقيقية، ويعمل اليوم على إظهار الإخفاقات لتصحيحها”.
توصية استراتيجية… من الدولة إلى الطفل
قدّمت توصية شاملة لتطوير الرياضة النسوية، تبدأ بتخطيط من أعلى مستوى في الدولة، بمشاركة وزارة الشباب واللجنة الأولمبية والاتحادات والأندية، مرورًا بالمحافظات، وانتهاءً بكسب الأطفال عبر زيارات منظمة للملاعب والمنشآت الرياضية.
وأضافت: “هذه الزيارات تزرع التوجه الرياضي في الطفل، وتخلق جيلًا يرى في الرياضة مستقبلًا”.
كرة القدم الرجالية… نملك الموهبة ونفتقد التنظيم
رغم الظروف، ترى أن العراق يملك ماضٍ مشرف في كرة القدم، ويمتلك الموهبة من اللاعب إلى المدرب، لكن المشكلة تكمن في غياب التنظيم والاستثمار الصحيح.
وأكدت: “الكرة العراقية حصلت على أكثر دعم من الدولة، لكنها بحاجة إلى طريق واضح وزمن منضبط”.
ختامًا
لقاء الدكتورة إيمان صبيح لم يكن مجرد إجابات، بل شهادة وطنية من امرأة صنعت المجد في المضمار، وتواصل بناءه في القاعة الجامعية.
كلماتها تنبض بالصدق، وتُحمّل المسؤولين أمانة الإصلاح، وتمنح الإعلام الرياضي فرصة للعودة إلى جوهره: دعم الكفاءات، لا تلميع المناسبات.
نُحيّي الدكتورة إيمان على صدقها ووطنيتها، ونأمل أن تجد رؤيتها طريقها إلى التنفيذ، لا إلى الأرشيف.
