كتب المحرر الرياضي للمستقل
لم يكن أحد يتوقّع أن يعود عدنان درجال بهذه القوة بعد أسابيع من التراجع والانتقادات. لكن الرجل، كما يبدو، قلب الطاولة على الجميع.
التحوّل بدأ بهدوء، ثم تحوّل إلى ما يشبه “البيعة الجماعية”.
الجلسة الأخيرة التي جمعت درجال بأعضاء الاتحاد — ومن بينهم كتلة المعارضة — كانت نقطة الانعطاف الحقيقية، خصوصاً مع حضور يونس محمود الذي بدا متزناً ومتعاوناً أمام الكاميرات، لكنه في الكواليس لا يزال يضع رئاسة الاتحاد هدفاً ثابتاً لا يتزحزح عنه.
الدراما لم تتوقف عند حدود الجلسة. بعض الذين كانوا أشدّ المعارضين لدرجال في السوشيال ميديا وفي البرامج التلفزيونية، شوهدوا يترددون إلى مقر سكنه طلباً للعفو والمصالحة. ليس الجميع بالطبع، لكن بعض الأسماء التي عادت إلى الطاولة ثقيلة ومؤثرة جداً في المشهد الكروي.
هكذا، تحوّل الرجل الذي كان يُنتقد يومياً إلى قطبٍ تُشدّ إليه الخيوط، في واحدة من أكثر التحوّلات غرابةً في تاريخ اتحاد الكرة.
على الصعيد السياسي، كتل بارزة تؤكد أن درجال “انتهى فعلياً” كرئيس لاتحاد القدم، وأن ما يجري ليس سوى محاولة لتمديد الوقت.
لكن درجال نفسه يراهن على متغيرات أكبر: انتخابات مجلس النواب المقبلة، والاحتمال القوي لتغيير الخارطة السياسية، فضلاً عن موقعه الجديد في الاتحاد الدولي لكرة القدم، كنائبٍ لأرسين فينغر، رئيس اللجنة الفنية والتطوير في الفيفا.
منصب يمنحه ثقلاً دولياً جديداً، ويعيد رسم صورته داخلياً بعد شهور من الضغط.
وفي الخلفية، تتسارع التغيّرات في خارطة الرياضة العراقية.
شخصيات قريبة من الحكومة — التي تدخل أيامها الأخيرة قبل التحوّل إلى حكومة تصريف أعمال — بدأت ترسم ملامح مرحلة جديدة قد تغيّر موازين القوى في الاتحادات واللجان الرياضية.
كل ذلك يجري بالتوازي مع استعداد المنتخب العراقي لخوض مواجهتين مصيريتين أمام الإمارات في الملحق الآسيوي، يومي 13 و18 من الشهر الجاري.
المنتخب الإماراتي، المدجّج بالمجنسين، أرسل وفداً رفيعاً زار بغداد ثم البصرة للاطلاع على المدينة الرياضية، وسط ترحيب رسمي من محافظ البصرة ومدير المطار.
كلّ الأنظار تتجه نحو هاتين المباراتين اللتين قد تحددان مصير اتحاد الكرة نفسه.
المدرب الأسترالي غراهام أرنولد والطاقم التدريبي يراقبون التفاصيل عن قرب، في ظل أجواء ضاغطة ومصيرٍ إداريٍّ مجهول.
أما المرشح الثالث، إياد بنيان، فلا يزال لغزاً كاملاً.
مختفٍ عن الأنظار، لا يظهر في الإعلام، ولا يدلي بأي تصريح. حتى درجال نفسه، وفق مصادر خاصة، سأل عنه أكثر من مرة من دون أن يتلقى جواباً. كأن الرجل انسحب من المشهد في لحظة الصراع الكبرى.
وفي الأثناء، تتحدث مصادر من داخل الاتحاد لـالمستقل عن أن قرار الفيفا الحاسم بشأن مستقبل اتحاد الكرة العراقي لن يصدر قبل مباراتي الإمارات.
بعد هاتين المواجهتين فقط ستُفتح الملفات المؤجلة: مصير الاتحاد، وتركيبته الجديدة، ومسألة إعادة الانتخابات وفق خارطة الطريق التي اتُّفق عليها مع الاتحاد الآسيوي.
لكنّ الأزمة ليست إدارية فحسب، بل مالية أيضاً.
الخزينة شبه خاوية، والاتحاد يواجه التزاماته بصعوبة.
الأحاديث عن “إشهار الإفلاس” لم تعد مجازية؛ فالوضع المالي بلغ مرحلة الخطر، في وقتٍ تقترب فيه بطولة كأس العرب نهاية هذا العام — البطولة التي يفترض أن تكون فرصة لترميم الثقة وبناء فريقٍ جديد، لكنها قد تتحوّل إلى اختبارٍ أخيرٍ بين الانهيار والانبعاث.
هكذا تبدو الصورة اليوم:
درجال يعود إلى الواجهة بعد أن كان على وشك الخروج منها،
يونس يترقّب الفرصة،
بنيان غائب،
الاتحاد في عين العاصفة،
والمنتخب يذهب إلى الملحق مثقلاً بالديون والضباب.
المشهد كله متداخل كلوحةٍ رمادية لا يُعرف إن كانت بداية فجرٍ جديد، أم الغروب الأخير لكرةٍ فقدت بوصلتها.
فهل ستكون مباراتا الإمارات بداية عودة، أم جرس النهاية لاتحادٍ بات يترنّح بين السياسة والملعب؟
