الطائفية… بوصفها خطاباً انتخابياً

آمنة حامد :

في العراق، يُعد الخطاب السياسي الطائفي أحد أبرز الظواهر التي رافقت العملية السياسية بعد عام2003، خصوصًا في فترات الانتخابات، حيث تلجأ العديد من القوى السياسية إلى استخدام هذاالخطاب كأداة لحشد الدعم وكسب الأصوات داخل الطائفة التي تمثلها أو تدّعي تمثيلها. يعتمد هذاالخطاب على استثارة المشاعر والانتماءات المذهبية والدينية بدلاً من التركيز على البرامج السياسية أوالخطط الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أسهم في إنتاج بيئة سياسية هشّة قائمة على الانقسام لا علىالتعددية الوطنية.

خلال فترات الانتخابات، يُلاحظ تصاعد نبرة الخطاب الطائفي، حيث تسعى الأحزاب إلى تعبئة جمهورهاعبر خطاب يرتكز علىالمظلومية الطائفية، والتخويف من الآخر، أو التذكير بمآسي الماضي الطائفي،وغالبًا ما يُستخدم الدين أو الرموز المذهبية بطريقة انتقائية توظف لخدمة أجندات سياسية. هذاالاستخدام المتكرر لا يقتصر على الفاعلين السياسيين فقط، بل يمتد إلى وسائل الإعلام المرتبطة بهم،والمنابر الدينية التي تدخل في كثير من الأحيان على خط التأثير السياسي.

تُعد هذه الاستراتيجية الانتخابية من أخطر ما يمكن أن يمارس في نظام ديمقراطي ناشئ، لأنها تعززالولاءات الطائفية على حساب الولاء الوطني، وتُبقي على حالة من التوتر وعدم الثقة بين مكوناتالمجتمع العراقي. فقد أدى هذا النوع من الخطاب إلى تعميق الانقسامات المجتمعية، كما ساهم فيإطالة أمد النزاعات المسلحة بين مكونات المجتمع، مثلما حدث خلال الفترة بين عامي 2006 و2008،والتي شهدت تصاعدًا غير مسبوق في أعمال العنف الطائفي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد الخطاب الطائفي كأداة للنجاح السياسي أدى إلى إضعاف مؤسساتالدولة، لأن المناصب أصبحت تُوزع على أساس المحاصصة الطائفية وليس على أساس الكفاءة. وهذابدوره خلق بيئة خصبة للفساد الإداري والمالي، وعطّل الكثير من المشاريع التنموية.

ولعل أخطر ما في هذا الخطاب، هو أنه يعيد إنتاج الصراع مع كل دورة انتخابية، ويُبقي المجتمع فيحالة استقطاب دائم، مما يصعب معه تحقيق مصالحة وطنية حقيقية. وحتى عندما تنخفض حدةالخطاب بعد الانتخابات، فإن آثار الانقسام تبقى حاضرة في الحياة اليومية للمواطن العراقي، وفي تشكيلالحكومات، وحتى في السياسات العامة.

في ضوء ذلك، يرى العديد  أن السبيل إلى الخروج من هذه الدوامة يكمن في بناء خطاب وطني جامع،يقوم على مبادئ المواطنة المتساوية، وإصلاح النظام الانتخابي والسياسي بما يقلل من فرص الاستثمارالسياسي في الطائفة. كما أن دعم المجتمع المدني والإعلام المستقل يمكن أن يسهم في محاصرة هذاالخطاب وكشف أبعاده المدمرة.

في النهاية، يبقى الخطاب السياسي الطائفي أحد أبرز التحديات أمام استقرار العراق، وبالأخص في مراحلالانتخابات، حيث يُستغل لغايات ضيقة على حساب السلم الأهلي والتنمية الوطنية. والتصدي له يتطلبوعيًا جماهيريًا، وإرادة سياسية حقيقية تنأى بنفسها عن استثمار الانتماءات المذهبية وتعمل على بناءدولة تحترم تعددها وتحمي مواطنيها على أساس المواطنة لا الطائفة.


مشاركة المقال :


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *