نعمان الغزي / لندن
في العراق، لم تعد الانتخابات مجرّد صناديق اقتراع، بل تحوّلت إلى ميدان اختبار قاسٍ للانتماء السياسيمقابل الانتماء الاجتماعي. والمفارقة الصادمة تتجسّد في التيار الصدري، حيث يُعاقَب المنتمي إذا مدّ يدالعون لأخيه أو قريبه المرشّح، حتى لو كان ذلك دعمًا عائليًا بحتًا.
أصدر مكتب السيد مقتدى الصدر وثيقة تبرّأ فيها عدد من أتباعه، بعد أن ثبت قيامهم بالترويج لعدد منالمرشحين للانتخابات المقبلة. بعضهم لم يترشّح بنفسه، إنما اكتفى بمساندة قريب أو صديق، لكن ذلكلم يشفع لهم. النتيجة طرد جماعي، كأنما الوفاء للأسرة او الأصدقاء تحوّل إلى خيانة للتنظيم.
وهنا يتجدد السؤال المؤلم هل من العدل أن يُقصى شاب خدم التيار وضحّى في سبيله، فقط لأنه وقفمع أخيه في استحقاق انتخابي؟
التيار الصدري، ومنذ انسحابه المفاجئ من البرلمان عام 2022، بات يفرض معادلة صارمة على أتباعهالطاعة المطلقة أو الإقصاء الفوري. قد يبدو الهدف حماية التيار من التورط في عملية انتخابية يُنظر إليهاعلى أنها ملوّثة بالفساد، لكن الواقع يكشف مأزقًا أعمق أزمة ثقة بين القيادة والجمهور، تُدار بالعقاببدل الحوار.
المأساة أن العراق بلد يقوم على شبكات الدم والعشيرة والعائلة. فكيف يُطلب من المواطن أن يتنكّرلأخيه أو ابن عمّه لمجرّد أن هذا الأخير ترشّح للانتخابات؟ أليس في ذلك نسف لأبسط قيم المجتمعالعراقي؟
بهذه السياسات، يخسر التيار أكثر من مجرد أسماء في قوائم داخلية إنّه يخسر ثقة شبابه الذين يرون أنالحب العائلي أصبح جريمة، وأن خدمة الوطن لا تشفع أمام جدار الانضباط التنظيمي.
الانتخابات المقبلة لن تكون معركة سياسية فحسب، بل ستكون أيضًا اختبارًا حقيقيًا للعدالة داخلالتيارات الدينية الكبرى. وإذا استمر منطق الطرد الجماعي، فإن التيار الصدري مهدّد بأن يفقد ما هوأثمن من المقاعد روح أبنائه الذين يشعرون أن الانتماء أصبح قيدًا، والوفاء للعائلة صار خطيئة.
أيها الصدريون، أنتم بهذه القرارات لا تحمون تياركم بل تمزّقون نسيجه الداخلي. أنتم تزرعون بذورالانقسام داخل البيت الشيعي، وتحوّلون الأوفياء إلى خصوم. يومًا ما سيكتشف شبابكم أنكم سجنتوهمبين جدارين: جدار السياسة الفاسدة التي رفضتموها، وجدار الإقصاء الذي فرضتموه عليهم. وحينها لنيخسر العراق مقاعد في البرلمان فقط، بل سيخسر جيلًا كاملاً كان يراهن على التيار كرمزٍ للإصلاحوالعدالة.
