ظهور الأمة الشيعية
كتب المحرر السياسي للمستقل :
تقدر نسبة الشيعة في العالم حوالي 20 – 25 % من عدد المسلمين في العالم ، وهم ينتشرون في العديد من الدول الاسلامية،وتعتبر إيران أكبر دولة شيعية ، وبانتصار الثورة في إيران عام 1979 شعر الشيعة بالقوة وان كياناً يمثلهم ، قد ظهر للوجود ، وأصبح حقيقة .
كان ظهور الجمهورية الإسلامية على الخارطة الدولية ، أمراً مقلقاً لأغلب دول جوارها ، كما كان مزعجاً للغرب . فحاولت الولايات المتحدة ان تسقط النظام. بشن الحرب عليه ، و ألبست الحرب بالعباءة القومية ، وفشلت مساعي إسقاط النظام من خلال الحرب الخارجية، واستمرت المحاولات لكنها فشلت جميعها.
ايران الجمهورية الفتية رفعت شعار ” لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية ” كما رفعت شعار ” الموت لامريكا و لإسرائيل”، وكانت الاستراتيجية الأيرانية تعتبر ان إسرائيل كيان غاصب وغير شرعي ، وهذه إستراتيجية الإمام الخميني قبل الثورة ، فكانت هناك لقاءات عديدة بين ياسر عرفات والإمام الخميني في النجف ، واستمرت حتى بعد الثورة.
بعد فشل إسقاط النظام من الخارج ، لعبت امريكا على وتر الطائفية وبث الخلاف بين السنة والشيعة ، ووجهت أذرعها الإعلامية لهذا الغرض ، واستخدمت جميع وسائل الضغط الممكنة من حصار وعقوبات ،كل ذلك تجنباً للمواجهة مع إيران بشكل مباشر ، لكن إسرائيل ورطت واشنطن في مواجهة كانت تخشاها ، ليس لانها غير قادرة على الانتصار فيها، بل لان خطراً اكبر سينتج بعد المواجهة .
بعد الحرب الاسرائيلية على ايران ، وبعد التصريحات الأمريكية الاسرائيلية بشأن محاربة ” إيران الشيعية ” ، شعر المسلمون الشيعة بالخطر، وصار التهديد لهم وجوديًاً ، فتحولوا إلى كتلة واحدة ، وذابت الحدود القومية، والإثنية والجغرافية ، وظهرت النزعة القومية الشيعية، باعتبارهم أمة وليس طائفة .
واعتبروا ان إسقاط إيران هو إسقاط للشيعة،
وهذا ما حذر منه مستشار السياسة الخارجية الأمريكية ومهندس التحالف الأمريكي مع القاعدة والمجاهدين الأفغان “بريجنسكي”
صاحب اهم النظريات السياسية تجاه روسيا واوكرانيا وايران، عارض غزو العراق ، وهو من حذر من اذلال روسيا وسقوط اوكرانيا بيد الروس، وقال : « سقوط اوكرانيا بيد الروس يعني اعادة بناء الإمبراطورية الروسية» .
وبشأن إيران قال بريجنسكي : من أنّ ” أي ضغط خارجي أو هجوم عسكري على إيران، سيؤدي إلى اندماج «القومية الإيرانية» مع «الأصولية الشيعية».
وفي تقرير كتبه في العام 2004 بعنوان «إيران: حان وقت نهج جديد»، منتقدًا إدارة جورج بوش الابن، قائلاً: «يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة هو فصل القومية الإيرانية عن التشيع الأصولي. وإلا، فإن هاتين القوتين التاريخيتين ستتحدان لتشكّلا قوة انفجارية».
صاحب كتاب “رقعة الشطرنج” الذي يعارض اي قوة مهيمنة غير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، يتحدث عن خطأ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويقول : أن” السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط أصبحت مدمرة لذاتها إستراتيجيا، وصعدت إيران كقوة مؤثرة في العراق والخليج.
كما حذر بريجنسكي، الرئيس بوش الابن من ضرب ايران ، و رأى ان الصراع مع ايران سيمنحها دافعاً للقوة .
وفي تحذير وجهه في عهد الرئيس الأسبق كارتر محذرا من الضغط على ايران وقال: إن ” المزج الذي يبدو ذكيا في ظاهره لسياسة العصا والجزرة, بما فيها التلميحات الرسمية المتكررة بأن الخيار العسكري الأميركي ما يزال مطروحا على الطاولة, يقوي ببساطة رغبة إيران في امتلاك ترسانة نووية.
وفي مقال كتبه هو وزميله في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ونشرته صحيفة واشنطن بوست اليوم, يرى بريجنسكي أن هناك فرصة لكي تحقق الولايات المتحدة نجاحا إذا ما تخلى البيت الأبيض عن تهديداته بالقيام بعمل عسكري ودعواته إلى تغيير نظام الحكم في إيران.
وختما مقالهما بجملة شهيرة قائلين : ” أن سياسة العصا والجزرة, التي وصفاها بالخرقاء, قد تكون مجدية مع الحمير لكن ليس مع “دول جادة”.
بعد حرب الايام الـ 12 ودخول امريكا على خط العدوان وضرب المنشآت النووية الإيرانية تغيرت بوصلة الشرق الاوسط وولدت معادلة جديدة وظاهرة اشار لها بريجنسكي في مقالاته سابقاً من ظهور تكتل اسماه ” بالقومية الشيعية ”
كان بريجنسكي يرى أن الأسلوب الناجح إزاء إيران يكمن في المواءمة بين مصالحها الأمنية والمصالح الأميركية “فلا ضربة جوية أميركية للمنشآت النووية الإيرانية ولا غارة جوية إسرائيلية أقل فاعلية قد يكون لها تأثير أكبر من مجرد إعاقة برنامج إيران النووي”.
حاول منظرو السياسة الأمريكية التفريق أو فصل بين إيران الشيعية وايران القومية، من اجل ان لا تتكون كتلة عقائدية كبيرة تكون معضلة في تنفيذ سياستهم في الشرق الاوسط، لكن تل ابيب دمرت ما سطرته اقلام المفكرين الأمريكان.
وهنا تظهر بوضوح النوايا الاسرائيلية، كما صرح الصحفي الإسرائيلي والخبير في الشؤون الاستخبارية، يوني بن مناحيم، في مقابلة على قناة i24NEWS، قائلاً: “يجب علينا القضاء على الثورة الإسلامية، فإذا أسقطنا إيران فإننا سنقضي على الثورة الإسلامية، وهذا حدث تاريخي حيث ستكون ضربة موجهة للشيعة لأجيال عديدة، هذا هو التغيير الحقيقي لإسرائيل”.
هذا التصريح، بما يحمله من وضوح في النوايا، عمّق الشعور الجمعي لدى الشيعة بأن الاستهداف لم يعد سياسياً فحسب، بل وجودياً.
يشعر الشيعة اليوم في عموم البلدان وخصوصاً في الشرق الاوسط ، سواء في لبنان او العراق واليمن والبحرين ودول الخليج وحتى ايران، بخطر يهددهم جميعاً ، لذا دفعهم هذا التوجس من التضامن والالتفاف حول القوة التي يمتلكونها.
وتشكيل ” الامة الشيعية ”
لقد ساهمت دول عديدة في ظهور هذا التشكيل الجديد بما فيها دول المنطقة ، وسيكون لهذا الأمر تداعيات كبيرة قد تزعزع استقرار الشرق الاوسط، كان على الدول التي يتواجد فيها الشيعة ان تطمئنهم وتمنحهم الحقوق والفرص المتساوية ، لا ان تجعلهم في خانة الاتهام ، ونزع هويتهم الوطنية و وصفهم بالصفوية والانحياز لإيران .
