كتب المحرر السياسي
لم يكن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول “أكرم امام أوغلو ” سوى فخ قد يقع فيه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، بعد نشوة النصر الذي حققه الرئيس التركي في سوريا ، ووقوع دمشق في قبضته ، وما حصل من تأييد عالمي لما قام به ، فقد جاء دور رسم الحدود ، وتقسيم “الكعكة” .
فقد افادت التقارير ان سوريا تملك ثروة ًنفطية وغازية ضخمة تقدر بمئات المليارات، لذا لايمكن لتركيا ان تستولي لوحدها على هذه الثروة ، كما لا يسمح لأنقرة بالتفرد بالقرار السوري وفرض ارادتها على الواقع ، فاسرائيل لا يمكن ان تخرج من «المولد بلا حمص» وهي التي قالت لقد دعمنا السوريين على مدار 13 عاماً عالجنا جرحا هم، فهي تريد الثمن، وكذلك الولايات المتحدة التي شاركت ودعمت المعارضة السورية العربية و الكردية منها ، لابد لها أن تأخذ حصتها من الثروة السورية.
من ناحية اخرى حاولت واشنطن في البداية ان تهدأ من اندفاع الأتراك وحساسيتهم من وضع الأكراد في سوريا وربما لتطمئنهم كإجراء تكتيكي، لتقول لهم ، ان الخطر لن يمس تركيا ، فقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على الكرد في سوريا ، فقد اعلنوا ان فصائلهم ستنضم للجيش السوري ويتم دمج قواتهم مع القوات السورية ، من ناحية اخرى رأينا اعلان مفاجئ للزعيم الكردي التركي ” عبد الله اوجلان ” بحل حزب العمال وإلقاء السلاح واللجوء للحوار مع الحكومة التركية ،جاء ذلك بعد زيارة عدد من قيادات الحزب لأوجلان في سجنه . وكلها خطوات توحي بأسعار الأتراك بالأمان من الخطر لكنها تطوي في داخلها ، مخطط خطير لتركيا .
خطوات كهذه التي فاجئت الجميع ، فسرها البعض بانها اعتراف بالأمر الواقع ، وان حلم اقامة الدولة الكردية قد انتهى، وان تركيا تفرض ارادتها.
لم يكن يعلم البعض ان امريكا وإسرائيل لن يرضيا بغير سوريا كاملة وان الخطة المرسومة بإنشاء دولة كردية يهيأ لها بخطوات محسوبة ومدروسة بعناية .
لذا تفجرت الاضطرابات في تركيا، وتمددت لتشمل مدينة إزمير ومدن تركية اخرى، ولم تخلو التظاهرات من صدامات مع الشرطة، ووقوع ضحايا ، و حل مجلس المحاميين، وإعلان أوزغور أوزيل زعيم حزبالشعب الجمهوري الذي ينتمي اليه” أكرم امام أوغلو ” أمام مبنى بلدية إسطنبول حيث تجمع محتجون: “نحن 300 ألف شخص“،باستمرار الاحتجاجات والتظاهرات لدعم ” اكرم أوغلو”
كل هذا لجعل تركيا تنكفئ إلى الداخل ، ويتزامن ذلك مع انهيار في قيمة الليرة التركية ، وانخفاض كبير في سوق الأسهم في البورصة التركية ، ناهيك عن توجيه الوضع لدعم الامن ، أي تقديم اولوية الامن على اولوية التنمية ، مما يجعل تركيا لا تفكر كثيراً في الوضع السوري.
الولايات المتحدة من جهة ثانية لا يمكن ان تضحي بالأكراد من اجل اردوغان، الذي يظهر ميولاً لروسيا وايران والصين، وان كان يتناغم مع اسرائيل بالخفاء .
لقد وقعت تركيا في الفخ وستستمر الاضطرابات ، وربما سيحدث تغيير في تركيا ، وتداركا حدث ذلك ، فان التغيير سيشمل الشرق الأوسط برمته ، وان إيران هي الأخرى على خط الخطر ، والعراق هو الاخر يلحق بهم .
فان الخطة الأمريكية. تقضي. بإقامة دولة كردية تبدأ في سوريا والعراق ، وتمتد لاحقاً لتشمل تركيا وايران ، وهذا ما ذكرته الادبيات الاسرائيلية ، وكذلك ما قاله “نتنياهو “ في كتابة ” مكان بين الامم ” .
المخطط الذي يرسم في المنطقة لابد ان يفتت كل الدول القوية في المنطقة ، ويجزأها ، ويثير النعرات الطائفية والقومية والدينية ، وهذا ما نراه يحدث بين السوريين واللبنانيين. وكذلك ما حدث بين السنة والعلويين في الساحل السوري.
وما سيحدث في قادم الايام في مناطق اخرى .
لقد انزلق الرئيس التركي في المستنقع السوري وظن انه حقق نصراً مبيناً باسقاط نظام بشار الاسد ، ولم يخط بباله وهو الذكي ان المخطط اكبر من سقوط ” الاسد” .
الاعتقاد الراسخ وطبقاً ما تحدث به الاسرائيليون والأمريكان في أدبياتهم من تفتيت الشرق الأوسط ورسم خارطة جديدة لشرق اوسط جديد، ان حلم اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات هو الهدف الرئيس في كل ما حدث ويحدث . وان هذا الحلم, كما يعتقدون ” وعد الهي لليهود ” وبالتالي لابد من تحقيقه ‘ وان كان بمراحل .