علي اكرم
عندما أرى تلك الطفلة المغطاة بغبار البنايات التي تم قصفها وهي تبكي متألمة، وعندما أرى الأشلاءالمتناثرة للأبرياء، أتساءل وأقول: هل خانهم الإله؟
فالمظلومون لا يعرفون إلى أي جهة يولّون وجوههم، ففي كل الجهات دماء وآلام، حتى القبلة التي ولّواوجوههم شطرها طيلة دهور، تبدو اليوم كأنها غضّت الطرف عنهم .
فهل فاقت قدرة إبليس ربه؟ أم أن جوهر المشكلة يكمن فينا نحن؟
اليوم، في هذه البقعة من الأرض، هناك مجتمع يبكي وفي بقعة أخرى مجتمع يضحك، مجتمع يناضللينهي يومه بسلام، ومجتمع آخر يخطط لما بعد خمسة أو عشرة أعوام ،هذا يعني أن الشعور الإنسانيغير موحّد، ولكن هل الضمير الإنساني غير موحّد أيضًا؟ إجابة السؤال تقول نعم، بكل تأكيد. هذا ما نراهوما رآه من سبقنا منذ بدء التاريخ البشري وحتى يومنا هذا ، لطالما كان الضمير الإنساني مختبئًا داخلإحدى المغارات المظلمة في أراضٍ مجهولة، يترقّب ما يحصل بهدوء، وما يُسمّى اليوم ضميرًا ما هو إلانسخة تشبه الأصل، ولكن فرقها الوحيد عن الأصل هو أنه يمكن تشكيلها كما يريد صاحب القوة، معالمحافظة على مطابقتها للأصل شكلًا وسلوكاً ،حيث أنّ الضمير كان موجودًا حتى قرر قابيل قتل أخيه ،ومن هنا بدأت رحلة الشر.
وبدأ الشر يتخذ أشكالًا متعددة حتى رسى على مظهر الخير ووجد التبريرات المناسبة للسير وفق ما تهواهالأنفس المريضة.
فصار هناك سبب وجيه لقتل الأطفال وسفك دماء الأبرياء، وسبب وجيه للانحلال ونشر الخراب، وسببوجيه للاستعباد وربط الأطواق، وأصبح الشر يتغنّى بالمنطق وهو يجهله ، وحجته في ذلك هو تحقيقالرغبات.
ما نحن إلا ضحايا للأوهام التي أخذت جنباً إلى جنب مع الشر حيزًا كبيرًا في تاريخ البشرية ولا ننسى أنّأول الشر يبدأ برغبة، كأول خطيئة للبشرية التي تسببت بها الرغبات ، والمشكلة ليست في الرغبة بحدذاتها، بل في أن يُستعبد الإنسان لها، وهذا يؤدي بنا إلى فهم مصدر الشر الحقيقي والخائن الحقيقيفكما تجلى أمامنا بوضوح أنه لم يخن الجنس البشري أحد سوى نفسه حينما أسر نفسه لرغباتهواستبدل قيود الحرية بقيود العبودية.