المستقل / ميلانو – من عمر الجروان
المكتب الإعلامي لصاحب السمو حاكم الشارقة
المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة
افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صباح أمس الجمعة، المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو الإيطالية.
وكان في استقبال سموه كل من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، والشيخ ماجد المعلا نائب رئيس أول لدائرة الشؤون الدولية في طيران الإمارات، وعبدالله علي السبوسي سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في الجمهورية الإيطالية، وناصر القحطاني سفير دولة الكويت في الجمهورية الإيطالية، وأحمد بن ركاض العامري الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، والدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، والدكتور سلطان العميمي رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومحمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وعيسى عباس مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وعدد من كبار المسؤولين ورؤساء تحرير الصحف الإماراتية.
واستُقبل سموه لدى وصوله إلى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية التي يقع مبنى المعهد الثقافي العربي ضمن رحابها، بعزف فن العيالة الإماراتي الذي قدمته فرقة الشارقة الوطنية.
بدأت مراسم الافتتاح بالتوجه إلى القاعة التي جرى فيها حفل الافتتاح، حيثألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة بمناسبة افتتاح المعهد العربيالثقافي، عبر فيها عن سعادته بنجاح العلاقة التي تجمع الشارقة بجامعة القلبالمقدس الكاثوليكية وإثمارها افتتاح المعهد الثقافي العربي الذي تحتضنهالجامعة في رحابها، لافتاً سموه إلى أن العلاقة مع الجامعة منذ 7 سنواتشهدت زيارة الكثير من الطلبة والطالبات إلى الشارقة لحضور المؤتمراتوالأحداث المتنوعة الثقافية والتعليمية وغيرها، وزيارة وفود من الشارقة للجامعةوالمشاركة في فعالياتها وتعزيز التعاون معها.
وقال سموه // كثير من المساعي وأصحاب العزائم يتوقون أن يخدموا لغتهمودينهم وجنسهم ولكن تطغى عليهم الأنانية والطائفية والكبرياء ولكن الخضوعلله وما بعده إلا للعلم، وأنا باحث ودارس للغة العربية التي بها عجائب منكلمات ومرادفات تشترك في معنى واحد ظاهرياً أو باطنياً //.
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أن خلال بحثه بين المعاجم والقواميس العربية عن أصول هذه اللغة من حيث نشأتها ومرجعها، وجد من إدعوا أن هنالك لغة تسمى السامية استنبطوها من سام ابن نوح وأن له ابن يسمى آرام وهي أساساً إرم التي على وزن هرم وورم وتعني الأرض المرتفعة التي نزل بها قوم عاد بعد أن كانوا في أطراف عمان وذكرت في قول الله عز وجل (ألمۡ تر كيف فعل ربك بعادٍ * إرم ذات العماد) ويقصد بها إرم التي بها الأعمدة وليس آرام ابن نوح.
وقال سموه // وضعوا هذه اللغة التي نتحدث بها موضع اللغات الثانية وقالواكلها تشترك إن كانت حبشية أو عبرية، وأنا لم أقتنع بذلك وبدأت ابحث، ففيقول الله عز وجل (وإذۡ قال ربك للۡملـٰۤىٕكة إنی جاعلࣱ فی ٱلۡأرۡض خلیفةࣰۖ) أيالارض كانت خالية، وفي قوله سبحانه وتعالى (وعلم ءادم ٱلۡأسۡماۤء كُلها) أيآدم عالم بكل شيء لأنه موجه من الله سبحانه وتعالى //.
وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة // قيل أن آدم نزل هو وحواء من شرقإفريقيا ومن هناك انتشروا، وقيل أقرب مكان لمن انتشروا هو الجزيرة العربيةوقد عبروها في دقائق ذلك الوقت، وأخذت ابحث في كل الدراسات وبكل دقةحتى وجدت أن هذه الآثار الأولية لأبناء آدم تكتشف في الشارقة من بروفيسورهانز من جامعة تيوبنغ، وكانت الهجرات لا ترمز إلى عبورهم في الجزيرة هنا، ولكن بعد هذا الاكتشاف تم تصحيح الخرائط القديمة، ووضع خط أحمر يخرجمن شرق إفريقيا إلى الجزيرة العربية حتى يصل إلى الشارقة، وهذا فخرللشارقة أن يكون بها الأوائل من أبناء آدم //.
وأشار سموه إلى أن نتيجة بحثه وجد أن اللغة العربية هي نفسها اللغة التيخرجت إلى الجزيرة العربية، معبراً سعادته الكبيرة مع كل اكتشاف يؤكد أنهنالك كلمات عربية أصيلة قد لا تستعملها الشعوب العربية لقدمها ولكنهاموجودةً في القواميس، لافتاً سموه إلى جهود إنجاز المعجم التاريخي للغةالعربية الذي سيكون في 125 مجلد، يحتوي كل منهم على 750 صفحة، وسيفسر المعجم ما وجد في قاموس اللغة اللاتينية المترجم إلى العربية.
واختتم صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته، قائلاً // أنا الآن في بداية العملعلى 5 مجلدات للقاموس اللاتيني، آمل أن يصدر هذا القاموس ليبين فيهالقاموس العربي إلى اللاتيني وحتى تبرز الكلمة، وهذا مشروع كبير يثبت أناللغة العربية هي لغة رب العالمين لآدم وهذه اللغة هي التي وجه بها رب العالمينجدنا آدم ليعمر هذه الأرض، ونحن نأمل أن نعمر الأرض ولا نخربها بل نمديدنا للتعاون في المجالات الإنسانية وليس في المجالات التخريبية، ونحمي هذهالثقافة أكانت عربية أم ايطالية أم لاتينية أو أي ثقافة نحافظ عليها من العبث، وما يحدث من عبث آلمنا كثيراً فما شاهدناه في المهرجان الذي أقيم في باريسمن تشويه لسيدنا المسيح عليه السلام، ولصورة نحن وغيرنا لا يقبلها، ومن هنانحتج ونعلي صوتنا لا للعبث لا للعبث لنحمي لغتنا وعقائدنا وثقافتنا فهذهالخطوات مطلوبة لكل إنسان يريد أن يعيش على هذه الأرض في سلام //.
وألقت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقةللكتاب كلمة خلال حفل الافتتاح عبرت فيها عن سعادتها باللحظة التاريخيةلافتتاح معهد الثقافة العربي في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس في ميلانو، مؤكدةً أن هذه المناسبة الهامة هي تجسيدٌ عمليٌ للإرادة الصادقة والرؤيةالدائمة في تعزيز الحوار الثقافي والتعاون الأدبي بين الشارقة والعالم بأسره، والتواجد هنا اليوم يعني بداية فصلٍ جديدٍ في مسيرة الشارقة الثقافية والأدبية، مسيرةٌ تمضي بها الشارقة لتتخطى الحدود وتعبر القارات براية الأدب الذيطالما جمع القلوب ووحد العقول منذُ الأزل.
وأوضحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي أن التزام صاحب السمو حاكم الشارقة الثابت بتعزيز الثقافة والتعليم كان وما زال حجر الزاوية في إنجازات الشارقة المميزة في العلم والأدب، والتي جعلت الشارقة محط أنظار العالم لتفوز بالاعتراف العالمي كمنارة للمعرفة والإبداع والتبادل الثقافي حيث حصلت الشارقة لقب العاصمة الثقافية للعالم العربي عام 1998، وبعد ذلك الإنجاز، وضعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عام 2014 على صدر إمارةالشارقة وسام عاصمة الثقافة الإسلامية تقديراً لها على إسهاماتها المميزة فيالمجال الثقافي محلياً وعربياً وإسلامياً. وفي عام 2019، حصدت وساماً آخراً من اليونسكو عندما تم اختيارها عاصمةً عالميةً للكتاب، مضيفةً أن افتتاح هذاالمعهد هو امتدادٌ لهذه المسيرة، وهو جُزءٌ مهمٌ من استراتيجية هيئة الشارقةللكتاب التي تلعبُ دوراً كبيراً في تنفيذ الرؤية الثقافية لسموه وإمارة الشارقةعبر بناء الشراكات حول العالم وإقامة العديد من الفعاليات الثقافية العالمية مثلمعرض الشارقة الدولي للكتاب ومؤتمر الناشرين وغيرهما مما يُساهمُ في بناءجسورٍ ثقافيةٍ متينةٍ بين الشرق والغرب.
وقالت رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب // إن معهد الثقافة العربي هوجسر يربط الشرق بالغرب، وهو منصة للدبلوماسية الثقافية، ومركز لتعزيزالتواصل الأدبي وملتقى لحوار الحضارات، إن هدفنا هو خلق بيئةٍ تزدهر فيهاالأفكار حيث يجتمع الكُتاب والناشرون من خلفياتٍ ثقافيةٍ متنوعةٍ لتبادلقصصهم، وحيث يتم الاحتفاء بالتراث الأدبي الغني للعالم العربي واستكشافهمن قبل جمهورٍ جديد، اليوم نحن بحاجة إلى رسائل السلام والتعاون والتفاهمأكثر من أي وقت مضى كي نضمن أننا سنترك هذا العالم في حالة أفضلللأجيال القادمة. نعم.. سيكون هذا المعهد منارةً لهذه القيم، فبين جدرانهسيتعزز التبادل الثقافي ويزدهر الاحترام المتبادل //.
وأضافت // نحن فخورون بالتعاون مع الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس، المؤسسة التي تشاركنا قيمنا في التعليم والتبادل الثقافي والنمو الفكري، إنهذا التعاون يمثل روح الشراكة التي يسعى معهد الثقافة العربي لتعزيزها، شراكة تتجاوز الحدود وتوحدنا من خلال حبنا المشترك للأدب والثقافة، وفي هذاالسياق، أود شكر الجامعة والقائمين عليها على شراكتهم وتعاونهم في افتتاحهذا المعهد الذي سيصبح حلقة وصل حيوية في سلسلة التواصل الثقافيالعالمي بين إمارة الشارقة وإيطاليا، وأريد أن أؤكد لكم بأن دوركم في تعزيزهذه الجسور الثقافية دور أساسي نعول عليه الكثير ونثمنه بشكلٍ كبيرٍ جداً //.
واختتمت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي كلمتها بالتأكيد على أن رسالةالشارقة واضحة في تعزيز التعاون الأدبي بين الشرق والغرب، وتسهيل وتقويةالتبادل في عالم النشر والكتاب بين الشارقة والعالم، وتشجيع ودعم السفراءالثقافيين، وكذلك بناء مجتمع واسع من الشراكات العالمية، بالإضافة إلى هدفالمعهد في جذب أصوات جديدة واستقطاب أقلام رائدة إلى الساحة الثقافيةالحيوية في الإمارات العربية المتحدة وخلق فرص للتبادل الثقافي التي سينعمبثمارها الجميع.
وألقت الدكتورة إيلينا بيكالي رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية كلمة رحبتخلالها بصاحب السمو حاكم الشارقة والوفد المرافق له في رحاب الجامعةلافتتاح المعهد الثقافي العربي، مؤكدةً أن المعهد لا يعد مركزًا ثقافيًا وتعليميًاجديدًا فقط، بل مبادرة هامة وخطوة ستعزز بشكل أكبر التعاون المثمر الذيأقامته جامعة القلب المقدس الكاثوليكية منذ فترة طويلة مع العالم العربي، وبوجه الخصوص مع إمارة الشارقة.
وتناولت بيكالي خلال كلمتها اهتمام الجامعة بتعليم الثقافة واللغة العربية منخلال جهود ومبادرات عديدة منها مهرجان اللغة والثقافة العربية، الذي شهدتدوراته السبع مشاركة العديد من العلماء والمفكرين من جميع أنحاء العالمالعربي، بالإضافة إلى تنظيم دورات اللغة العربية التي ينتسب إليها كل عامأكثر من 300 طالب وطالبة.
وأشارت رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية إلى إنشاء مركز أبحاث اللغةالعربية في عام 2016، والذي يهدف إلى تعزيز الأنشطة العلمية في مجال اللغةالعربية الحديثة، من خلال الندوات والمؤتمرات، بما في ذلك التي تحمل أهميةدولية، والتعاون مع أساتذة وباحثين من جامعات أخرى، وتعزيز التبادل بينالخبراء في ذات المجال. كما يولي المركز اهتمامًا خاصًا لتطوير منهجياتمبتكرة لتدريس اللغة العربية، ومن الأمثلة المهمة على ذلك نشر خمسة كتبدراسية للغة العربية.
وأوضحت بيكالي أن افتتاح المعهد الثقافي العربي يعبر عن التزام الجامعةبتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والتربية على الفهم المتبادل، ويتماشى معالقناعة الراسخة بأن جامعة القلب المقدس الكاثوليكية يجب أن تكون مجتمعًامنفتحاً ومكانًا للحوار من أجل الخير العام، ويجب أن تبقى كذلك في المستقبلمن خلال التحالفات والتعاونات الاستراتيجية التي تهدف إلى المساهمة فيالتقدم المدني والاجتماعي والاقتصادي.
واختتمت رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية كلمتها بتوجيه الشكر لكل منساهم في إنجاح مبادرة تأسيس المعهد الثقافي العربي الذي يعد فرصةملموسة للحوار بين العالم والثقافات، مثمنةً دعم واهتمام صاحب السمو حاكمالشارقة، وجميع القائمين على المؤسسات الثقافية والتعليمية في إمارة الشارقة.
وتخلل حفل الافتتاح محاضرة شارك فيها الدكتور امحمد صافي المستغانميأمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة، والدكتور إغناطيوس غوتيريث أستاذاللغة والأدب العربيين ورئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعةأوتونوما في مدريد، وأدارها الدكتور وائل فاروق أستاذ اللغة العربية وآدابهاودراساتها الثقافية في “جامعة القلب المقدس الكاثوليكية“، وتناولت محاضرةالدكتور امحمد صافي المستغانمي أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة دورالمعجم التاريخي في صناعة الملكة اللغوية، بدأها بالحديث حول أهمية اللغةفهي لدى كل قوم، وفي كل مجتمع إنساني وسيلة التواصل، وأداة التفاهم، وهي محل عناية الدارسين وموضعُ تأمل الباحثين على تعاقب العصور وتتابعالدهور، وتعد اللغة صانعة الفكر، وحاملةُ الهوية، وأداة التواصل، ووسيلةالإبداع، فاللغة أساس كل إبداع واختراع، وبدون لغة لا توجد كتابة ولا طباعة، ولا إذاعة، ولا حاسوب، وكل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لا وجود لهابدون لغة، مشيراً إلى قول سقراط لتلميذه: “تكلم حتى أراك“، وقول زهبر بنأبي سلمي لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه …. فلم يبق إلا صورةُ اللحموالدم.
وقال المستغانمي // في شأن اللغة العربية، فإن تعليمها لأبنائها وللناطقينبغيرها يمُر بظروف صعبةٍ شديدة، ومُشجعة مُحفزة في الوقت نفسه؛ إذ يشهدالعالم المعاصر تنافساً كبيراً بين اللغات العالمية، ونهضةً قويةً في ميدانتعليمها والتمكين لها انتشارا وانحسارًا، والواقع المعقد الذي نحياه يكشف عنضعف لغوي شديد لدى كثير من المتكلمين باللسان العربي، وقد تشاركت عواملكثيرة في تكوين هذا الضعف، واغتدى كل مهتم بشأن العربية الفُصحىوأضحى، وأصبح وأمسى باحثاً عن سُبُل للعودة بالعربية إلى مجدها التليد، والاهتداء إلى طرائق ناجعة مفيدة لتحبيب أبناء الأجيال المعاصرة فيها، وتمكينهم من حسن التحدث بها وتجويد الكتابة بها //.
وفي إجابته حول تساؤل أهل الصنعة اللغوية: هل نستطيع اليوم أن نُخرجأجيالاً من الفصحاء الأبيناء؟ قال أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة // إنالأرض العربية التي خرجت امرأ القيس والمُهلهل، وزهيرا والسموأل، وعنترةوطرفة وجرول، وجريرا والفرزدق والأخطل، ومسلم بن الوليد وأبا العتاهية ودعبلخُزاعة الفطحل، ونُظراءهم من جهابذة الشعر، وأبيناء النثر، ومصاقعةالخطابة، ورُواد الأقلام السيالة في شتى الفنون والعلوم والآداب، إن تلكالأرض العربية المباركة التي أنجبت أولئك الأفذاذ، ليست عقيماً، وليست عاجزةاليوم أن تُنجب أمثالهم من النُجباء الأذكياء، ونُظراءهم من الفصحاء البلغاء، وأولي الرأي السديد، والفكر الرشيد //.
وأوضح المستغانمي أن في ميدان تعلم اللغة، على طالب العلم أن يُدرك أنتعلمها لا يقف عند معرفة معاني ألفاظها، وأحوال أوزانها وأبنيتها، وعليه أنيعلم أن اكتساب الملكة اللغوية لا يكون إلا إذا امتلك المتعلم آليات تعلم اللغة، مبتدئا من معرفة الألفاظ ودلالاتها، ماراً بحُسن استعمالها وتركيبها، ممارساً دعاءها واستحضارها في اللحظة التي يريد، مُنتهياً إلى مراعاة مقامات الكلاموسياقاته وظروفه وملابساته، مؤكداً أن السبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو أن يصلالقائمون على التربية والتعليم إلى كيفية تكوين الملكة اللغوية لدى أبناء الجيل.
وأشار أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة إلى مجموعة من المقترحاتوالحلول التي تدعم تعليم وترسيخ اللغة العربية الصحيحة منها الانغماساللغوي الذي يؤكد ضرورة العيش في رحاب بيئة سليمة لُغويا، ليُحققاكتساب ثلاث كفايات: لغوية وثقافية وتواصلية، وضرورة إتقان علوم الآلةالمتعلقة باللسان العربي وهي النحو والصرف والإملاء والبلاغة بعلومها الثلاثة(البيان والمعاني والبديع) وعلم العروض، ومفتاح التدرج في تكوين الملكة اللغويةمن السهل إلى الصعب، ومن البسيط إلى المُعقد، ومن العام إلى الخاص، ومفتاح القراءة الذي يجب أن يمتلكه المتعلم في سن مبكرة، ويُحسن توظيفه. ليتعلم مخارج الحروف وصفاتها، ويُتقن قراءة الكلمات والجمل والفقرات، ويعرف أين يقف، ويتعلمُ مواضع الفصل والوصل، وغير ذلك من مهارات القراءةالسليمة الصحيحة.
ولفت المستغانمي إلى دور الحفظ فهو الرافد الأكبر لخزان الملكة اللغوية مثلحفظ القرآن، والأحاديث، والأشعار، فعملية الحفظ تُكون لدى الناشئ مخزوناً من الألفاظ والأنساق التعبيرية المُحكمة النسج، البديعة النظم، وتكون جاهزةً في ذهنه، تُمكنُه من التعبير القوي، بالإضافة إلى ضرورة البُعد عنالازدواجية اللغوية، أثناء التعلم إذ ينبغي ألا يخلط المتعلم أثناء تعلمه بين لغاتمختلفة، ولا يستعمل كلمات وألفاظاً أعجمية يستسهلها في التعبير عما يريد، كما لفت إلى أهمية التقليد والمُحاكاة لتُكون لدى المتعلم خزاناً فياضاً منالمحفوظ الأدبي شعراً ونثراً، وليُحكم قبضتهُ على علوم الآلة، فإن الدربة والمرانوالممارسة المتكررة والمحاكاة المستمرة، كل أولئك يقوي الملكة في نفس صاحبها، ويجعلها تتجذرُ وترسخ وتستحكم لدى المتعلم، مختتماً مقترحاته بدور المعلمالأسوة الذي يرعى المتعلم رعاية مُرب حكيمٍ مُتقن للغة، عليمٍ بفنونها، حاذقٍ فيأساليبها، حصيف الرأي، شغوف بالعربية، عاشقٍ لنحوها وصرفها، مُستهامببلاغتها، قُدوةٍ في إجادة التعبير بها، هاجرٍ للعاميات يُضمرُ ويُبدي البغضاءوالشنآن لها.
وتطرق أمين عام مجمع اللغة العربية بالشارقة إلى مجموعة من الأمثلة فيالمعجم التاريخي للغة العربية التي تثري الملكة اللغوية، وتعبر عن خصائصالعربية مثل سعة مُعجمها وكثرة مفرداتها مثل المفردات التي تعبر عن ساعاتالليل والنهار: (الشفق/ الغسق/ العتمة/ السدفة/ الفحمة/ الزلة/ الزلفة/ البُهرةُ/ السحر/ الفجر/ الصبح/ الصباح/ الشروق/ البُكور/ الغُدوة/ الضحى/ الهاجرة/ الظهيرة/ الرواح/ العصر/ القصر/ الأصيل/ العشي/ الغروب)، وثراء الاستعمالفي العربية، مثل الجذر ( ر ج ع): الذي وجد الباحثون في المعجم التاريخي٣٤ مدخلاً له.
وألقى الدكتور إغناطيوس غوتيريث أستاذ اللغة والأدب العربيين ورئيس قسمالدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريد محاضرة بعنوانواقع اللغة العربية في أوروبا في القرن 21: إسبانيا نموذجاً، لفت في بدايتهاإلى أن اللغة العربية تعد اليوم لغة الأم لما يقارب الخمسة ملايين نسمة فيأوروبا، وذلك نتيجة لحركة الهجرة المستدامة الآتية من البلدان العربية، لاسيماتلك المجاورة كالجزائر والمغرب وتونس، فلقد أدت هذه الحركة إلى ظهور رعيلمتمكن من المواطنين الأوروبيين ذوي الأصول العربية، أصابوا مستوىً ملحوظاً من العلم والثقافة وهم المتميزون بحيوية ودينماكية، ويشكل هذا الجيل مكوناً بشرياً ذا أهمية قصوى في سياق المساعي الرامية لنشر الثقافة العربية، بالإضافة إلى المسلمين من غير العرب وهم 20 مليون نسمة تقريباً حسبالإحصائيات الرسمية، إذ تحظى اللغة العربية في نظرهم بمكانة بارزة بحكمالممارسة الدينية اليومية وكون نصوصهم العقائدية الأساسية مكتوبة بها، وهوما يستلزمهم معرفتها وإن كان بطريقة سطحية.
وأوضح غوتيريث خلال حديثه في محور “اللغة العربية في أوروبا: حقائقواستشرافات” أن العربية هي اللغة الأجنبية الأوسع انتشاراً في أوروبا ممايدعو للتعامل الجدي مع دلالات كثيرة تظهر بوضوح على عدة نواحٍ ثقافيةواجتماعية واقتصادية، والتوقف هنا على الجوانب التربوية والتعليمية المترتبةعلى هذا الواقع الجديد، مشيراً إلى توقع بعض الدراسات الحديثة أن تبلغنسبة الناطقين بالعربية في أوروبا ما يناهز 10% بعد ما يقل عن ثلاثين سنة، مما سيفرض على الدول الأوروبية ومجتمعاتها واقعاً تربوياً وتعليمياً جديداً يستوجب إنشاء المزيد من المراكز والمدارس لتعليم لغة الضاد وتعريف الناسبمقومات الثقافة العربية.
وفي محور “الثقافة العربية في إسبانيا: حضور يتعدى حدود التاريخ” بينأستاذ اللغة والأدب العربيين أنه رغم المكانة التي تحتلها اللغة العربية في مجالتدريس اللغات الأجنبية على المستوى الأوروبي فإن الحالة الإسبانية تتسمبخاصيات عدة تميزها عن معظم البلدان الأوروبية فالحضارة الأندلسية تركتأثراً كبيراً على الهوية الإسبانية المعاصرة ويسهل استشعاره، سواء علىالناحية الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية، ولا يمكن التغاضي عن الحضورالفعال للثقافة العربية في اللغة الإسبانية، إذ أن اللغة العربية تمثل الرافدالاصطلاحي الثاني للغة الإسبانية بعد اللاتينية، وهو ما يوجد جلياً في الكميةالوفيرة من المفردات والعبارات والتعابير والتراكيب العربية الموجودة فيالإسبانية المعاصرة، ولفت إلى دور إسبانيا كوسيط لنقل الثقافة العربية وتطويرالدراسات المرتبطة بها إلى أمريكا اللاتينية الناطقة بالإسبانية أو البرتغالية.
وأكد رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريدخلال حديثه عن اللغة العربية وتدريسها في إسبانيا أن الدراسات الاستعرابيةفي إسبانيا سبقت نظيرتها الأوروبية على صعيد سبل تحليل النصوص العربيةالقديمة ونماذج تدريسها، وهي من الطاقات التحديثية التي يمكن استغلالهااليوم لتجديد طرائق تدريس العربية بالاستناد إلى الأدوات التكنولوجيةالمعاصرة، بالإضافة إلى المساعي الرامية إلى إدخال اللغة العربية في برامجالتدريس لمرحلتي الابتدائية والثانوية، وهو مسعى تسعى إليه جهات معينة فيإقليمي اندلسيا وكتالونيا، موضحاً أن فرص نجاح هذه المحاولات وغيرهامرهونة بأداء المؤسسات والمراكز التي أنشئت لنشر الثقافة العربية في إسبانيا، وعلى النطاق الجامعي هنالك عدة أقسام تنذر نفسها لتدريس اللغة العربيةومواد ذات صلة بالتاريخ والآداب واللسانيات العربية، وتندرج أغلبيتها في إطار“الدراسات العربية والإسلامية“، وتشمل جامعات ذات شهرة.
ولفت غوتيريث خلال حديثه عن دور أقسام الدراسات العربية الجامعية في نشراللغة والثقافة العربيتين إلى مساعي تحديث النماذج التدريسية التي لا بد أنتنطلق من البيئة الجامعية، بالتنسيق مع سائر المؤسسات الحكومية والأهليةالمعنية بالثقافة العربية في إسبانيا، مؤكداً على ضرورة الالتفات إلى التحدياتالعصرية والعراقيل الرئيسية التي قد تجابه تطور اللغة العربية وتعليمها، سواءأكانت إجرائية أو منهجية أو مادية أو من أي نوعية أخرى، ومشدداً علىضرورة إعداد خطة متكاملة لتوثيق أواصر التعاون والتبادل بين جميع الجهاتوالأفراد المتصلين بالدراسات العربية.
واختتم رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أوتونوما في مدريدمحاضرته بعرض عدد من التوصيات التي قد تدعم تطوير خطط تدريسيةملموسة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية ومنها إنشاء مركز ثقافي عربي دولي، وإعداد مناهج تدريسية، وتطوير أساليب تعليمية في الشبكة العنكبوتية، وتحفيز استخدام العربية فيها وفي الوسائل الرقمية، وتأهيل المدرسين والباحثينفي مجال تعليم العربية للاستفادة من التقنيات الرقمية الحديثة، وتوفيرإمكانيات الذكاء الاصطناعي الهائلة بغية تطوير المناهج والنماذج.
وكان سموه والحضور قد شاهدوا عرض موسيقي قدمه فريق كورال اللغةالعربية الموسيقي، والذي يتكون من الطلبة الذين تعلموا اللغة العربية في جامعةالقلب المقدس الكاثوليكية.
وتلقى سموه مجموعة من الإصدارات والكتب كهدية تذكارية من إدارة جامعةالقلب المقدس الكاثوليكية تقديراً لجهود سموه ودعمه المستمر للعلاقة بينالجامعة والشارقة.
بعد ذلك توجه صاحب السمو حاكم الشارقة رفقة الحضور إلى مبنى المعهدالثقافي العربي حيث أزاح سموه الستار عن لوحته التذكارية إيذاناً بافتتاحهرسمياً، ليطلع بعدها على معرض آثار الشارقة الدائم الذي يحمل عنوان“التراث الحضاري لإمارة الشارقة“، وتنظمه هيئة الشارقة للآثار في مبنىالمعهد.
وتعرض هيئة الشارقة للآثار في المعرض 83 قطعة أثرية من الكنوز الأثريةالمهمة تمثل جميع الفترات الحضارية المكتشفة في إمارة الشارقة بدءًا منالعصور الحجرية، مرورًا بالعصر البرونزي والعصر الحديدي، وفترة مملكةمليحة، والفترة الإسلامية حتى القرن العشرين. ويتيح هذا المعرض فرصةللتعرف على المكتشفات الأثرية وتنوعها وأهميتها في التواصل الحضاري معالعالم القديم في تلك الفترات.
وتجول سموه في مرافق المعهد، وشهد أولى فعالياته التي تنظمها هيئة الشارقةللكتاب بالتعاون مع جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، حيث استهل المعهدأنشطته بسلسلة ورش إبداعية وفنية تتناول جانب من التراث الثقافي والفنيالعربي، منها ورشة إبداعية للخط العربي.
ويعتبر المعهد الثقافي العربي الأول من نوعه للثقافة العربية في إيطاليا، واضعاً تاريخ مبادرة دولية إماراتية تنطلق من الشارقة في عدد من بلدانالعالم، تتضمن إنشاء سلسلة معاهد للثقافة العربية في عواصم المعرفةوالإبداع، بهدف مد جسور التواصل والحوار وتعزيز العلاقات الثقافية بينالحضارة العربية والغربية، وإظهار حجم مساهمة العرب في النتاج العلميوالإبداعي الإنساني.
ويسعى المعهد إلى تسهيل الشراكات بين الناشرين العرب والإيطاليين لترجمةالأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية وغيرها من اللغات الأوروبية، إلى جانبإطلاق مجلة أدبية مشتركة باللغتين العربية والإيطالية، تضم أعمالاً لكتاب وأدباءعرب وأوروبيين، بالإضافة إلى تطوير منصة رقمية تتيح للأفراد اكتشاف جوانبالثقافة العربية وكنوز الأدب العربي، ويستهدف المعهد الأجيال الجديدة منالشباب الإيطاليين والباحثين والدارسين للثقافة العربية، وأدباء المهجر، إذ يعتبرأول معهد متخصص في إدارة البرامج والسياسات الثقافية العربية فيإيطاليا، حيث سيتولى تنظيم برامج تعلم اللغة العربية، ويطلق منحاً لبرامجالتبادل الثقافي، إلى جانب إعداد أنشطة مخصصة للطلاب والشباب والكُتابالواعدين، كما سيعمل المعهد على توسيع مهرجان اللغة العربية، الذي ترعاههيئة الشارقة للكتاب في ميلانو، ليشمل أنشطة أكثر تنوعًا مثل قراءات الشعروورش العمل اللغوية والمناقشات الجماعية، ويخصص جانباً من أنشطته لتنظيممعارض كتب سنوية وفعاليات أدبية وورش عمل وندوات تفاعلية بين الثقافةالعربية والأوروبية.