خوف الصدمة / علاء الخطيب

خوف الصدمة / علاء الخطيب

علاء الخطيب

بين الاتساق والاتزان فاصل بسيط ، يصعب على البعض الفصل بينهما ، الاتساق هو عدم التناقض بين طرح الفكرة والايمان بها ، أما الاتزان هو المتشدق بالفكرة دون الايمان بها .

الغالبية العظمى من الناس متزنون، والنادر منهم المتَّسقون، المتصالحون مع ذواتهم.

التصالح مع الذات  هي  عملية اتساق روحي داخلي  وليس توازن  خارجي .

لذا الكثير من الناس يصعب عليهم قبول الواقع و يخشون مواجهة الحقيقة, وقد لا يمتلكون القدرة على استيعابها.

الشخص المتصالح مع ذاته يمتلك القوّة لإخبار الآخرين بما يؤمن ، او بما لا يستطيعون  قوله علانيةً، هو شخصية صادمة ، لا تناسبه احاديث الكواليس ولا الأفعال من  تحت الطاولة، يمتلك سلاماً داخلياً كافياً  ،  للإفصاح  عن ارائه بشجاعة ووضوح  وعلانية .  ربما لا يستسيغ البعض هذه الآراء او ربما لا يحبون الوضوح ، وان كان موافقين لبعضها .

غيث التميمي  اثار لقائه  مع نزار الفارس موجة من النقد والتأييد بنفس الوقت .

قال ما يؤمن به بكل شجاعة دون مواربة ، إتسق مع روحه بدرجة عالية ، كان يمكنه ان يكون متوازناً ويرضي البعض ويتناغم مع الشارع   ، لكنه يعرف تماماً ان الاتزان هو النفاق ، وسيكون شخص آخر وليس غيث التميمي .

ولا ادري لماذا يحترم الناس المتزنين ” المنافقين “  ويكره من يقول أفكاره بصراحة وإيمان تامين .

لقد قال  غيث بشكل واضح  وبلسان مبين ان “علاقتي مع الله تبدلت” ، وهذه قناعته، ربما لا تعجب البعض ، ولكن هذا لن يغير من الواقع شيء فهو متسق مع قناعته.

لقد عرض نجيب محفوظ  في ثلاثيته  بين القصرين التي اعتبرت افضل رواية عربية ، شخصية ” سي سيد “. الشخصية المتزنة خارجياً والأب والرجل   المتشدق بالفضيلة ، المحترم في مجتمعه ،  المنفصل عن ذاته داخلياً ، فهو ماجن وداعر ، و باحثٌ عن ملذاته وشهواته سراً .

وشخصية ” سي سيد ” هي شخصية منافقة ، ينادي بالفضيلة نظرياً  لكنها غير مؤمن بها عملياً .

مجتمع السي سيد يريد ان تبقى صورته المتزنة ويخشى ان تصدمه الحقيقة، لذا لا يريد مواجهتها.

وهكذا  نرى الكثير منا يخاف الصدمة ويفضل ان تبقى الحقيقة خافية.

  الشيخ غيث التميمي كان شفافاً ، نشد حريته، وآمن على طريقته الخاصة ، ومن يفهم لغة الجسد، يعرف  ان التميمي لم يقل ما قاله من اجل  لفت الانتباه أو ” الشو الإعلامي “  او السير عكس التيار ، وانما بقناعة المتصالح مع ذاته .

  وهو يذكرني بالشاعر الكبير الجواهري ، الذي خلع عمته، والتصق بذاته ، وكان مؤمنا على طريقته الخاصة ، يعرف الله لا كما يعرفه الاخرون، وهكذا كان  المفكر اليساري ” حسين مروة ” الذي أرسله والده إلى النجف  وهو بعمر الـ 13 سنة كي يكون  عالماً دينياً ، لكنه رجع منها وهو احد اهم المفكرين اليساريين في العالم العربي.

ان حفلة الشتائم التي تعرض لها التميمي ومن قبل الجواهري وحسين مروة ، ما هي إلا فاتورة حساب يدفعها الخارجون عن المألوف والمتعارف  ومنهم غيث التميمي. 

(Visited 123 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *