حاورها : علاء الخطيب
شقة بأحد الأدوار العلوية لبناية أنيقة، محاطة بالجمال والتحف الفنية من كل جانب، الجدران الزجاجيةلصالة الضيوف المطلة على البحر الأحمر تمنحك خيالاً ومشاهد بانورامية مذهلة، تقف في حضرة الفنوأنت صامت لا حراك فيك سوى مشاعر البهجة .
يقول الشاعر الألماني ” غوته ” كن جريئاً وقويا وسيكون العالم بأكمله في عونك، وعندما تدرك ما تريدهمن الحياة ، فكل ما يهم حينها أن ان تسعى لتحقيقه بكل ما تملك من فكر وشجاعة.
ما يهمني هو وطني
بداية الحكاية
هكذا فعلت جامعة الفنون السعودية “بسمة السليمان” خريجة الأدب الإنجليزي ، والتي تحمل شهادة الدبلوم في الفن المعاصر والحديث «Contemporary and modern art » من لندن .
في مدينة جدة وفي وجهها المعاصر كان لنا موعد مع سيدةٍ استثنائية ، أنيقة ، ذات روح متوهجة ، قوية عفوية ، حالمة كفراشة بيضاء تسبح في فضاءات الفن ، تتسلح بروح الجمال .
وقفت لاستقبالنا ، كانت الابتسامة لا تفارق شفتيها ونحن نتقدم للسلام عليها.
إنها السيدة بسمة السليمان ، صاحبة التجربة الفريدة والمتميزة في تحويل المفردات اليومية إلى أيقونة ُجمالٍ وفنٍ ورقيّ .
على جدران بيتها كانت التحف الفنية تتزاحم لتصافح عيوننا ونحن في حالة من الانبهار والشد ، وهي تشرح لنا بفرحة غامرة عن مقتنياتها الفنية لفنانين شباب وكبار سعوديين وعرب، أعمال مهمة تمازج بين التراث والحداثة، بين الوجدان الروحي وبين النظرة الواقعية للاشياء، فهي تقتني الأعمال الفنية بنظرة العارف والذوق والرقي .
الفكرة الأساسية أن احمي الفن السعودي وأن امنح بلدي ما يستحق وأن أثبت هوية الفن السعودي
السيدة بسمة السليمان حولت بيتها إلى متحف فني من نوع فريد.
نحو الرحلة
التقيتها على هامش الزيارة لمنزلها ، لم يكن اللقاء معداً له سلفاً وانما كان عفوياً أمتاز بالصراحة حدثتنا عن تجربتها وبدايات الفكرة.
قالت : بدأت رحلتي مع اقتناء الأعمال الفنية ، مطلع التسعينات، وكانت البداية مع مقتنيات شخصية ،لم يكن في بالي تطوير هذا التوجه ، كنت أميل للفن المعاصر و الحديث أكثر من من الفن الكلاسيكي.
ثم تولعت باقتناء الأعمال العالمية، واطلعت على الثقافات المختلفة ، أقمت فترة في الصين وشاهدتان هناك اهتمام في جمع الأعمال الفنية ، وكذلك الحال في رحلتي إلى الهند ، فتولدت لدي فكرة ان أقومبعمل قاعدة لجمع الاعمال لفنانين سعوديين لتبقى كشاهد للزمن. وتعاملت مع فنانين شباب كرحلةتعلم وصقل للموهبة .
فكل ما يهمني هو وطني .
هنا وجهت للسيدة بسمة سؤال : كيف تمكنت من مزاوجة الفن الحديث مع الموروث السعودي ؟
قالت “دعني أوضح لك ذلك، الفكرة الأساسية كانت أن احمي الفن السعودي وأن امنح بلدي ما يستحق وأن أثبت هوية الفن السعودي ، وهذا كان الهدف الرئيس بالنسبة لي“.
وتضيف السليمان، “كنت أتابع المزادات الفنية ، فقد رأيت أن أغلب اللوحات والقطع الفنية لا تباع ، ولا أحد. يرغب باقتنائها ، فقمت بشراء بعضها وخزنته عندي ، لكن التحول الكبير الذي حدث لي في عام2012 حينها كنت في بينالي « فنيسيا بإيطاليا »، وعُرضت لوحة فنية سعودية في المعرض العالميالشهير ، وكانت هذه المرة الأولى التي تعرض فيها لوحة سعودية مهمة في هكذا معرض عالمي ، لكنالمفاجئة كانت ، أن هذه اللوحة لم يتقدم أحد لشرائها أو اقتنائها ، وكانت اللوحة كبيرة الحجم 8×10 مفقررت أن اقتنيها“.
صفقة على طاولة الغداء
وتكمل “صرت أبحث عن المشاركات السعوديات في البينالي و على طاولة الغداء وبمحض الصدفة كانت الفنانات السعوديات جالسات إلى جانبي ، فسألتهن عن مصير اللوحة سالفة الذكر ، فقلن لي لقدا تفقنا مع السفارة الأمريكية على بيعها لهم، هنا قلت لا … لابد أن اشتريها ، فهذه اللوحة “حرام تطلع من السعودية” وتمت الصفقة ونحن جالسون نتناول طعامنا وفي الحال حولت المبلغ لتتم العملية بأمان، لتبقى اللوحة عندي لمدة عشر سنوات ، وقبل سنتين أبصرت النور في العلا، عندما أقمت معرضاً لمقتنياتي الخاصة حمل اسم “ما يبقى في الأعماق” وعرضت هناك“.
ومازالت أعيننا تدور في المكان الذي تنطق جدرانه بالإبداع والفن.
سألتها عن المكان الذي نقف به هل هو معرض دائم أم ماذا؟
قالت : إنه بيتي الخاص الذي استقبل به ضيوفي وهو متعتي الروحية، ففي كل يوم اكتشف العالم وأشياءجديدة من خلاله، هذا البيت ينقلني إلى إحساس آخر ، أشعر أن اللوحات والأعمال الفنية هم أبنائي ،انتمي لهم وينتمون لي ، أخاف عليهم“، وهناك وجهت له سؤال، ما هو سر هذا التعلق؟
رفعت عيونها إلى الأعلى ، مع شئ من الالم الذي رافق إجابتها، بالقول “نعم، هناك قصة حزينة تجمعنيبهذا المشروع“.
وهنا أخذني الفضل لمعرفة ما هي القصة؟
فردت “لقد فقدت ولدي وهو شاب ، وكل ما ترونه هو باسم ولدي ولذكرى ولدي، امنيتي ان يكون هذاالعمل إرثاً وطنياً وان يتحول هذا البيت إلى متحف“.
انتهى حديثي معها ولكن لم تنته الجولة ، فقد كان الحديث عن عمل فني جميل من “فن التركيب” ومنصميم البيئة السعودية هو الكعبة كقطعة من المغناطيس التي يحيطها بها الحجاج من كل جانب عبرعنهم الفنان بقطع معدنية منجذبة إلى الكعبة ، فكرة رائعة تعكس حالة دينية بشكل جمالي .
ونحن نسير في صالة البيت كانت هناك مجموعة من القدور القديمة جُمعَّت على حائط وشكلت لوحة جميلة ، أثارت فضولنا جميعاً ، ثم أخذتنا إلى لوحات البيئة السعودية ، وأزياء المناطق ، وفي صالة اخرىكانت هناك صور لسدنة الكعبة الذين توالو على خدمة ضيوف الرحمن منذ أزمان بعيدة ، وهم اليوم منالعوائل الكبيرة المشهود لها بالفضل .
كانت رحلتنا على بساط الفن تشبه رحلة السندباد علب بساط الريح ، تخللها الحلم والخيال والجمال وزانتها روح السيدة بسمه سليمان التي ظللتنا ببهائها الأشم .رأيتها تتحرك بثقة وتطير مع حلمها الذي حققته لذكرى ولدها الفقيد رحمه الله وهي تعيش حياتها كما تخيلتها .
“تحرك بثقة نحو تحقيق أحلامك وعش حياتك كما تخيلتها“
….