بودلير شاعر العصر الحديث

بودلير شاعر العصر الحديث

بودلير من أكثر الشعراء أستحقاقاً لصفة الحداثة لشعره و بوصفـه شـاعر عـصر لكيانـه الأنسـاني. ، لم يقتصر أثـر بودلير على الشعر الحديث الممتـد الى يومنا هـذا بـل أمتـد كذلك الى نظريات فـن الشـعر التي تتحـدث عـن طبيعـة بنائه و ظواهـره و قضايـاه صـار الشعر الفرنسي بعـد بودلير مسـألة تعنـي القـارة الأوربيـة كلهـا وكان له التأثير البالـغ عـلى الأنتـاج الشـعري في ألمانيـا و أيطاليـا و أنجلترا و أسبانيا ، أن الفرنسيين نقـاداً و قـراءاً أكتشفوا أن شـعر بودلير أبعـد أثـراً مـن شـعر الرومانتيكيين و أن التيارات الجديدة التـي أنبثقـت مـن شـعر بودلير كانـت أعظـم أثـارة و أشـد قـوة ، لقـد نفـذ الى قلـوب فيرلين و مالارميـه و رامبـو ، و قد أعـتـرف مالارميـه بـأن شـعره يبـدء حيـث ينتهـي بودلير ، و حتـى أكـد الشـاعر الأنجليزي توماس أليـوت في دراسـه لـه عـن بودلير بـأن بودلير أعظـم مثـل للشعر الحديث في أي لغـة مـن اللغـات وكل مـن يقـرأ بودلير يعـرف بأنـه الرائـد الـذي وضـع هـذا أسـاس هـذا البناء الشـامخ و الغريب الذي نسميه ( الشعر الحديث) أن بودلير هو شاعر العصر الحديث وكان هو يحس بذلك فهو أول من أستخدم هذه التسمية على نفسـه عـام 1859 أن بودلير فنانـاً حديثاً و مـا يميـز الـفنـان الحديـث أنـه يعيـش في صحـراء المدينة الكبيرة فيرى سقوط الأنسان في هذه المدينة ( كـما كان يقـول هـو كيـف يمكـن أن يحيـا الشعر في مدينة سيطرت عليهـا التجارة و الصناعـة ) ويرى في هـذا المشـهـد نـوع مـن الجـمال الغامـض و السحر غير المكتشـف أن شعر بودلير يشير الى طريق جديد غير الطريق التـي كـانـت الرومانتيكيـة قد خلقتهـا و نثره يتأمـل هـذا الطريـق و يتفكـر فيـه ، و طريـق بودلير هـذا هـو طـريـق الـخـروج مـن سـجن الواقـع الضيـق و النجـاة مـن تفاهتـه الى منطقـة الـسـر شـغفاً بالأكتشـاف و طمعـاً بالحصـول عـلى الحديد و ما يميـز بودلير أنـه يأخـذ مـعـه عنـاصر المدينة المثيرة و عوامـل الواقـع التافـه الى تلك المنطقـة الغامضـة ( التـي قـد تـكـون في أعـماق الحضيـض أو أعـالي القمـم ) أنـه يضفـي عليهـا رفيـف الشـعر و أهتـزازه و خلجاتـه و هـو بهـذا يمهـد للشعر الحديث ويلمس طبيعتـه السـحرية و القاسية في آن واحـد لعـل أهـم مـا يميز بودلير هو دقة عقله و نصاعـة و عيه الفني فالعبقرية الشعرية و الذكاء النقـدي يتحـدان في كيانه ، و أرائه في فن الشعر و طبيعة الخلق الشعري تقـف عـلى مستوى واحـد مـع أنتاجـه ، وقـد جمع بودلير أفكاره و أرائـه عن فن الشعر في مجموعتين من المقالات هما ( تطلعات جمالية ) و ( الشعر الرومانتيكي) ( لقد نشر كلاهـمـا عـام 1868 بعـد موتـه) وفي هذين الكتابين تفسيرات كثيرة لأعمال فنية عاصرهـا بودلير لا في الأدب فحسـب بـل في الرسم و الموسيقى أيضاً وتحليلات بودلير لهذه الأعمال يقـدم بـه تحليلاً لضمير العصر و لفكرة الحداثة بوجـه عـام وهـذا نابـع مـن أيمانـه بـأن الأدب و الـفـن هـما التعبير عـن روح العصر وهـو بهـذا يخطـو الخطـوة الأولى في الطريـق الـتـي سيتبعها مالارميـه بعـده وهـي الطريق الى الشعر الأنطولوجـي ( الوجـودي) و النظرية الوجودية في فـن الشـعر…

(Visited 32 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *