عبدالمنعم الاعسم
ما حدث باختصار، ومن دون لف ودوران، حرب اقليمية محدودة، ثقابها دائم، يتمثل بدولة عدوانية مغتصبة،ضربت بعرض الحائط جميع القوانين والتعهدات الدولية، وحتى الكثير من “الرسائل” العربية “الايجابية” وقد تتفاعل الشرارة هذه الى حرب خارج خط التماس بين غزة واسرائيل، وربما تنطفئ عند نقطة ما تحتضغوط وعوامل، منها مخاوف الامتداد خارج السيطرة، وبالضد من حسابات الانتصار المزعوم، في منطقةتقف فوق براميل احتقان، ودول ترتاب من بعضها، وحدود هشة سقطت منذ زمن بالاختراقات والتمدداتوعربدة القوى الدولية، فضلا عن ثرواتها من النفط والمعادن والمياه، موضع صراع وتدخلات وغياب الثقة بينمالكيها والمحرومين منها.
غير ان الامر الاسوء، من كل ما حدث حتى الآن، ومن زاوية مصلحة فلسطين، والمصلحة العربية، يتمثل فياندلاع مواجهات موازية في الشارع العربي (دولا وشعوب) والاخطر بين الفلسطينيين انفسهم، على شكلانشقاق طولي، حيث الكل يخوّن الكل، والكل يتنصل عن مسؤولية ما حدث وما يلزم القيام به لتدارك الهوةالى التفتت والحرب، الامر الذي يعطي لاسرائيل نتنياهو مكرمة اضافية ذهبية، والمهم، هو ضياع الفرصةالتاريخية التي انكشف فيها ظهر دولة الاحتلال وسقطت جميع حدوده وعقائده الامنية، وبرزت الحقيقة التيارعبت المحتلين وحُماتهم، وتتمثل بان لا مستقبل للاحتلال، وبالتالي لا مستقبل لاسرائيل في حال تشبثتباحتلال الارض الفلسطينية.
وإذ بلغت غطرسة اسرائيل حدودها النهائية كدولة “عدوة” لمصالح دول وشعوب المنطقة، وبالمقام الاول عدوةلسلام المنطقة والعالم ومنصة تهديد دائم للاستقرار(بما يخيف الدول الصناعية المعنية باستقرار ارخبيلالنفط) فانها وفرت للعقل السياس العربي ورشة تفكير في “عدو” بسمات اكثر دقة، اثر تخبط لعقود طويلةفي تسويق مفاهيم مضطربة عن العدو الذي يناهض حقوق وحريات ومصالح شعوب المنطقة، فيما تجاهلتذلك البحث الخلاق للمفكر الايطالي “امبرتو ايكو” عما اسماه باختراع العدو ودعوته الى الحذر منتشكيلات الماضي للعدو، حيث “إن وجود العدو مهم ليس لتحديد هويتنا فحسب؛ وإنما –أيضاً– ليوفر لناعائقاً نقيس إزاءه قيمنا، ونثبت –أثناء محاولتنا تخطيه– قيمتنا” وقد توصل الى بعض استنتاجاته منخلال قصة طريفة كانت قد حدثت له في نيويورك؛ حيث كان يستقل سيارة أجرة يقودها شخص من أصولباكستانية، فسأله السائق عن بلده، فأجابه “إيكو” بأنه من إيطاليا، فرد عليه السائق بسؤال آخر: من همأعداؤكم؟ فاجأ هذا السؤال “إيكو” وحمله على التفكير في الدور الذي يلعبه العدو في تشكيل الهوية والذات،بحيث إن السؤال عن العدو جاء تالياً على السؤال عن الجنسية عند هذا السائق!
والحال، فانه من زاوية، تتشكل ملامح “عدو جديد” يمكن الحاق الهزيمة به، مقابل تأخر تشكيل الرؤيا(العقيدة) المناسبة للانتصار عليه: بين التخندق في وسائل الحرب (المقاومة) التي عفا عليها الزمن، وبينالمضي في حرب الجملة الاعلامية التي انتهت صلاحيتها وفقدت قدرة التعبئة.