حسين فوزي
القى رئيس دولة فلسطين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات خطابين تاريخيين، الأولفي نيويورك في 13/11/ 1974 عرض فيه السلام على دولة إسرائيل، داعياً إلى انهاء نزيف الدم. لكن خطابهالثاني في مقر الأمم المتحدة في جنيف في 26/11/ 1988، كان له صدى مدوياً، حين قال مخاطباً زعماءالعالم، ضمنهم قادة إسرائيل ” جئتكم حاملاً غصن زيتون في يدي وفي اليد الأخرى بندقية ثائر فلا تسقطواالغصن الأخضر من يدي…”
ولحضور عرفات الاجتماع السنوي لقادة الأمم المتحدة قصة، موجزها أن “الأصدقاء” الأميركان رفضوا منحعرفات سمة دخول لنيويورك، فكان مقترح “الرفاق” السوفييت نقل الاجتماع إلى المقر الصيفي للأممالمتحدة، ليخاطب عرفات قادة العالم. وهذا ما كان.
ويحكي الشاعر الكبير محمود درويش قصة هذا المقطع من خطاب عرفات: “قرات الخطاب ولم اغير فيه شيئاًسوى إضافة خاتمته ” جئتكم حاملاً غصن الزيتون…”، وقد سر بها عرفات كثيراً الذي كان يسمي درويشامين عام الشعر في منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد مفاوضات سرية طويلة كانت هناك اتفاقات أوسلو بشأن قبول حل الدولتين على مراحل، وكان عرفاتشأن قائد الثورة البلشفية في روسيا عينه على هدف، لينين كان يريد السلام مع ألمانيا بأي ثمن، وعرفات كانيريد أن تطأ منظمة التحرير ارض فلسطين رسمياً وتقيم مؤسساتها على ارض الوطن على طريق بناء دولةفلسطين المستقلة.
وقد كان شامير، وهو زعيم يميني متطرف، قادر على التفاوض بدون مزايدة بقية الصهاينة عليه، كما يرىالمؤرخ الفلسطيني الراحل عبد الوهاب الكيالي الذي كتب في دراسة عميقة عن الصراع العربي الإسرائيلي“لن يحقق السلام سوى قيادة إسرائيلية يمنية في الحكم…”.
وعندما فاز حزب العمل الإسرائيلي وتولى رئاسة الحكومة الجنرال وزير السابق إسحاق رابين رئاسةالحكومة كان المفترض أن تواصل إسرائيل تنفيذ التزاماتها، لكن المتطرفين اغتالوه في 4 تشرين الثاني1995.
كان المتطرفون الإسرائيليون يراهنون على تمييع الطموحات الفلسطينية المشروعة بمرور الزمن، ولم يتقبلوانداء عرفات في أن ” لا تسقطوا غصن الزيتون الأخضر من يدي..” بل هم مرغوا الغصن بدماء الفلسطينيينوواصلوا التوسع في بناء المستوطنات، وتجاهل خصوصية مدينة القدس، معلنين ضمها لإسرائيل علىالضد من قرارات مجلس الأمن، والاتفاقات الثنائية بين الطرفين. بل وصل الأمر بهم إلى قتل رئيس وزرائهملأنه قبل بتقسيم القدس، لتكون القدس القديمة عاصمة دولة فلسطين.
بعدها كان حصار الدبابات لعرفات في الضفة الغربية وصولاً إلى اغتياله بالسم.
هذه الغطرسة للعقب الحديدية المدعومة بترسانة السلاح والمال الأميركيين، أدت إلى شن إسرائيل 5 حروبعلى غزة احداها استمرت 51 يوماً، بدعم من واشنطن واطراف غربية أخرى. وفي هذه الحروب قتلوا 52 صحفياً، ضمنهم المواطنة الأميركية شيرين أبو عقلة بدون سؤال من واشنطن، عما ارتكبته وترتكبه إسرائيلمن قتل جمعي، ففي غاراتها الأخيرة بعد “طوفان الأقصى“، استشهدت عائلة كاملة من 9 أفراد، لكن كل هذهالجرائم لا تهز شيئاً من “قناة” واشنطن.
وقال الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد“، إفرايم هاليفي في مقابلة مع شبكة CNN،تعقيبًا على الهجوم المباغت إن “الهجوم فريد من نوعه” و“المرة الأولى” التي تتمكن فيها غزة من “اختراقعمق إسرائيل والسيطرة على القرى“، مضيفًا “لم نتلق أي تحذير من أي نوع، وكانت مفاجأة تامة أن الحرباندلعت هذا الصباح (السبت)”. واستهدفنا 3000 صاروخ في اقل من 24 ساعة، في هجوم من البر والبحروالجو.”
إن ما يجري هو حرب تحرير عادلة بمواجهة عدو متغطرس يعمل على إذلال شعب بكامله، ويرى مصطفىالبرغوثي رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية “إن حماس تقاتل التوسع وانتهاك القرارات الدولية والاتفاقاتالثنائية، وهي في هجومها الشامل لم تستهدف المدنيين، بل أهداف عسكرية بحتة، لكن الطيران الإسرائيلييواصل استهداف الأحياء السكنية دون تمييز. فيما يكرر نتنياهو “سنصفي الحقوق الفلسطينية بالتطبيعمع الدول العربية.”
ويضيف الناشط الفلسطيني الديمقراطي “إن العملية الشاملة لحماس استهدفت سلطة القمع، لذلك فأنالقتلى والأسرى جنود وضباط وجنرالات، وليس مدنيين.”
وهنا ينبغي ان نقف في الإعلام العربي، ضمنه الإعلام العراقي، بحذر من نقل تقارير وسائل الإعلامالأميركية والغربية التي تركز على القتلى والأسرى المدنيين الإسرائيليين، بهدف وصم الهجوم بالعملالإرهابي، وهو ما ننجرف معه بحماس.”
الشيء المهم هو الحقائق الموضوعية وقوانين الحياة: فالنظام العنصري في جنوب افريقيا لم يصمد امامنضال الشعب برغم كل الإمكانات المادية والعسكرية لبريتوريا. وإسرائيل في قتلها فرص السلام تراهن علىالدعم الأميركي والقبضة الحديدية العسكرية، وهذان عاملان لا يمتلكان الديمومة، في ظل حقيقة وجود قوىقادرة على تخطي القطب الأحادي الأميركي، ومواقف بكين وموسكو وأنقرة وطهران ونيودلهي وإسلام ابادإنموذجاً.
وستظل الأيام تولد المزيد من التصدي الشامل المباغت للتجبر الصهيوني ما داموا قد كسروا غصن الزيتونوقتلوا قادتهم أو نحوهم لأنهم تقدموا خطوة نحو سلام عادل، ومكنوا اليمين المتطرف من قمع وإذلال شعبعربي بأكمله…
وهي حالة تضع كل دعاة التطبيع أمام عواقب جسيمة، ما لم تكن اية علاقات مبنية على ضمان حقوق شعبفلسطين والقدس عاصمة دولته واستعادة الجولان