محمد عبد الجبار الشبوط
مرة اخرى يبرهن الامام علي السيستاني على رؤيته الحصيفة لمشاكل العالم وعن حلوله العقلانيةوالاخلاقية لها.
وكانت المناسبة هذه المرة هي الرد الوحشي للكيان الصهيوني على العملية الجريئة التي قام بهاالفلسطينيون في الاشتباك المسلح المباشر على الاراضي الفلسطينية التي اقيم عليها الكيان الصهيونياحتلالا واغتصابا. وهذه هي المرة الاولى التي ينتقل فيها القتال الى داخل “حدود” الكيان بعدما كان الكيانفي السابق ينقل الحرب الى داخل الاراضي العربية. وتأتي هذه العملية لتؤكد مرة اخرى استحالة تحقيقالسلام في الشرق الاوسط دون ان يكون مشروطا ومحفوفا بالعدل.
وهنا تاتي العقلانية السيستانية لتضع الخطوط العريضة لشروط او شرط تحقيق الامن والسلام فيالمنطقة.
ففي البيان الذي اصدره مكتبه الرسمي بهذه المناسبة قال السيستاني: “إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم ـالمستمرة منذ سبعة عقود ـ بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيدلإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصدمزيداً من الأرواح البريئة.”
هذه الجملة مركبة او معقدة كما يقول النحويون complex sentence وهي جملة قد تسبب شيئا من سوءالفهم للقاريء المتسرع. فهي مؤلفة من عبارة رئيسية وعبارة ثانوية وعلى القاريء ان يشخص اولا العبارةالرئيسية، وهي هنا “إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم … هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذهالمنطقة“. هذا هو الشرط الوحيد او على الاقل الاساسي الذي يتعين على العالم ان يفهمه. لدينا شعب تعرضللطرد والتشريد والاقصاء من بلده، وهذه هي المأساة التي خلقتها بريطانيا في الشرق الاوسط منذ وعدوزير خارجيتها بلفور، في ٢ تشرين الثاني من عام ١٩١٧. وكانت وما زالت هذه المأساة السبب في كلالحروب الشرق اوسطية الى اليوم واخرها الجولة التي اخذت اسم “طوفان الاقصى“. ويمكن قول الكثير منالكلام الحماسي حول هذه الحملة، ولكن تتضاءل اهمية كل ما يقال اذا لم نضع الاصبع على الجرح، وهوالظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني والاغتصاب الذي حل بالارض الفلسطينية. واذا كان العالم يدّعيانه يمقت الحرب وينشد السلام فهاهو الطريق–الشرط الى السلام وهو انهاء “مأساة هذا الشعب“. كل كلاماخر يتجنب هذا التشخيص لا قيمة له.
ويمضي السيستاني في عقلانيته ليحدد طريق انهاء المأساة بامرين هما: نيل الحقوق المشروعة، ازالةالاحتلال. وهما امران تقرهما الشرعة الدولية ومواثيق وبيانات الامم المتحدة منذ تأسيسها الى اليوم.
وهنا تأتي المسؤولية الاخلاقية والقانونية للعالم التي حددها السيستاني بالقول: “إن العالم كله مدعوّللوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد منالأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم.”
فاذا ما تقاعس العالم عن القيام بمسؤوليته الاخلاقية والقانونية، وسد الباب بوجه شرط السلام الوحيد، لميبق الا الباب الاخر، وهو:”مقاومة المعتدين“، محذرا من ان ذلك سوف يعني استمرار “دوّامة العنف” التي “تحصد مزيداً من الأرواح البريئة” على مختلف الجبهات.
ربما يظن قاريء ما انه ليس معنيا بالقضية الفلسطينية برمتها، لكنه معني بالتاكيد بالعقلانية السيستانيةالتي ما فتئت تضع النقاط المضيئة على الحروف المظلمة.