توحش على منصات الفيس بوك /  وسام رشيد

توحش على منصات الفيس بوك / وسام رشيد

 

وسام رشيد
وانت تتصفح الفيس بوك لا تتفاجئ ان ترى مشهداً لطفل مذبوح بسكين في وسط سوق يرتاده مئات العوائل من الكبار والنساء والاطفال والشباب بين متسوّق وبائع وناقل ومتفرج وسائح.
طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من العمر كان يدفع عربة ( وسيلة النقل الأثر شيوعاً في الأسواق الشعبية العراقية) ليلتقط رزقاً بسيطاً يعينه على شراء بعض القرطاسية والملابس ليستأنف دراسته بعد انقضاء عطلته الصيفية شأنه كألاف الطلبة الذين يساعدون عوائلهم من ذوي الدخول البسيطة في المدن العراقية.
سمعت حواراً مؤلماً لأحد افراد عشيرة الطفل مفاده اننا نبحث عن سبب ذبح الطفل بهذه الوحشية والطريقة، بأس ذنب تم قتله بهذه الوحشية أمام مرأى ومسمع المئات من اصحاب المحال والمارة المنتشرين حوله.
ازدادت في السنوات الاخيرة معدلات الجريمة غير المنظمة او الجرائم ذات الدوافع الغامضة بشكل مخيف، مثل إقدام شاب على قتل ابيه وأمه واخيه، أو حرق رجل لزوجته حتى الموت، والأغرب إن غالبية تلك الجرائم الاستثنائية في قاموس الاجرام هي من بطولة احداث في صغار السن، او اشخاص ليس لهم تأريخ إجرامي او يعيشون ضمن بيئة مشجعة على العنف، فغالبيتهم هم من الطبقة الوسطى غير الفقيرة مادياً ويعيشون حياة مستقرة نسبياً مــن الناحية الاقتصادية وهذا ما ينعكس على تربيتهم بإفتراض ان يكونوا ضمن الطبقة الاجتماعية الاكثر فعالية وانتاجاً، لكنهم مع ذلك يقدمون على ارتكاب اكثر الجرائم الفردية عنفاً ودموية في تأريخ العراق على الاطلاق.
بالبحث اكثر ستجد ان ثقافة العنف الشديد وصور القتل والذبح سادت بشكل كبير بعد احداث 2003 في معظم مناطق العراق، وبدأت في تغلغل القاعدة والمجاميع التكفيرية لعدة مناطق في العراق لكن مشاهدها ظلت بعيدة عن مرأى العامة حتى عام 2011 بعد انتشار تطبيق الفيس بوك على نطاق واسع مع باقي التطبيقات الاليكترونية، فظهرت تلك الصور البشعة لذبح المواطنين العزل على اسس طائفية واختلافات عقائدية، لتتبلور صورة نمطية جديدة اصبحت مشاهدتها “معتادة” تدريجياً بعد ان كانت تشكل صدمة نفسية كبيرة لمجرد تَخيُل ان شخص ما يقتل بهذه الطريقة البشعة التي لا تتلائم مع تراث المجتمع وتأريخه القريب.
تجذرت ثقافة الذبح لتنتقل بين مواقع التواصل فيتم حظرها هنا وإتاحتها هناك في ظل فوضى مجتمعية ومعرفة سطحية وأزمة حوار وثقافة وإبداع ضربت عمق القيم الاخلاقية لعموم المجتمع.
زادت من ذلك انتشار خطير وواسع للسلاح غير المرخص، ييباع علناً ويعرض على حتى على بعض المواقع الالكترونية، هذا السلاح وتجارته الرائجة والمربحة يثير رغبة الشباب اليافع، ويعد احد مصادر القوة التي يبحثون عنها، في ظل بيئة تحترم من يحمله علناً، وتقدس التسليح في معظم شرائحها ذات الطابع العشائري المبني على القوة اكثر مما يرتكز على القيّم والسلوك النبيل، ويتم الترويج له علناً عبر صفحات الفيس بوك ليتباهى ويتبارى حامليه على بعضهم وعموم المجتمع الذي يؤيد تلك المشاعر بالإعجاب والتعليقات الحماسية أمثال “كفو” و ” والنعم” و غيرها من المصطلحات الدارجة التي تعاني في غالبيتها من اللياقة اللفظية.
ثم تأتي مشكلة انتشار وتعاطي المخدرات ليشكل خطراً اخر على التعايش المجتمعي لا يقل أهمية عن السلاح والترويج الاعلامي للعنف، وهو مرض خبيث أخذ مساحة واسعة من هموم المجتمع العراقي ليساعد فعلياً على تجريف واخذ جزء اخر مما تبقى من كيانات اخلاقية ومقومات المجتمع الأدبية، لتسقط معها المزيد والمزيد من مجاميع الشباب العاطل والمحبط والجاهل.
البطالة والجهل والأمية هي نتاج سياسات غير حكيمة وفئوية لمنظومات حكمت البلاد من عام 1979 والى الان، كانت القسوة هي السمة البارزة لماكنة السلطة التي توِّجت بأقسى سلطة تعسفية في تأريخ البلاد المعاصر كانت تستخدم الذبح وسيلة للنيل من خصومهم كما فعل فدائيو صدام في الناصرية وبعض مناطق العراق الاخرى.

شكلت هذه المشاكل عناصر لتربية جيل كامل كان يتصل مع السوشيال ميديا اكثر من المدرسة والمنزل والحسينية والنادي الرياضي والاب والاخ الاكبر.
فقد المجتمع الأمان في صيانة أعمدته الفكرية وفلاسفته في الشعر والثقافة والفن وجمال الحياة، فحلت محل تلك الصور الجميلة التي ارتبطت بذاكرة العراقيين صور الموت المجاني والبشع في كل محل يتواجد بيه الناس حتى في المحافل المقدسة.
لست متشائماً بل لا بد من تشخيص واقع المجتمع بتجرد، ثم ضرب عناصر الخرق بتحقيق العدل ونبذ الطائفية والقبلية وتفعيل التعليم ورسم الجمال في شوارع الواقع وصفحات الفيس بوك عبر تحقيق نماذج ممتعة تجذُب مشاعر المتابعين بصدق وأمانة ومتعة لا بالترغيب الفج والساذج الذي تحاول بعض المؤسسات العاجزة عن تقديم بديل ناجح.
وكل ذلك لا يتحقق الا بنظام سياسي يعي كل تلك المقدمات ويتعامل مع القادم بمسؤولية وشفافية وأمان، ولا أظنه سيكون في المستوى المنظور على الاقل.

(Visited 68 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *